مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

عاشق اللغة العربية (فاروق شوشة) يترجل واقفاً

 

ما أكثر مشاهد الرحيل في حياتنا اليومية، وهي تكتسي بثوب الحزن والألم، وما أكثر الأسماء التي حفرت لتاريخها أنهاراً عذبة تجري فيها موجات الثقافة والمعرفة والإبداع. رحل شاعرنا الكبير (فاروق شوشة) فجر الجمعة الرابع عشر من أكتوبر 2016 عن عمر ناهز 80 عاماً بعد رحلة عطاء أثرى فيها المكتبة الثقافية بمجموعة من الدواوين الشعرية وبعض الكتب والنقد كانت إضافة واعية في مناح عدة خصوصاً في الأدب وجمال اللغة وعذوبتها، وكثيراً ما كان يطل علينا من على شاشات التلفاز في برنامجه الثقافي (أمسية ثقافية) بمعلومات تزدان بزاد المعرفة، وكثيراً ما كان يشدو بصوته العذب عبر الأثير في برنامجه الشهير (لغتنا الجميلة) وبالفعل هي أجمل لغة بين لغات العالم، وأيضاً كثيراً ما صال وجال في اللقاءات والمؤتمرات الثقافية والأمسيات الشعرية بصوته الرخيم المميّز وثقافته الواسعة التي أفاض بها كثيراً خاصة في مجالات الأدب والشعر والنقد.
ولد (فاروق محمد شوشة) في التاسع من يناير عام 1936 بقرية الشعراء محافظة دمياط. في باكورة حياته حفظ القرآن الكريم ما جعل لغته سلسة في النطق ومخارج الألفاظ، بعد ذلك أتم مراحل دراسته في دمياط. التحق بعد ذلك بكلية دار العلوم وتخرج فيها عام 1956، فكان اختياره موفقاً ليبقى في هذا التخصص الذي أضاف له الكثير في علوم اللغة خاصة في التذوق والجمال وعلوم البلاغة وقواعد النحو والبيان ودراسة الأوزان وبحور الشعر والنقد وتشريح القصائد من خلال منهجية تدرك مغزى ما تهدف إليه القصيدة، أيضاً تخرج في كلية التربية جامعة عين شمس عام 1957 ليتم تأهيله بالتدريس، وبالفعل عمل مدرساً 1957، ثم بعد ذلك رأى أنه يجب أن يخوض تجربة الإذاعة، فالتحق بها عام 1958، وقدم الكثير من البرامج وتدرج في وظائفها حتى أصبح رئيساً لها عام 1994، وعمل أستاذاً للأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة رغم أنه لم يحصل على درجة الدكتوراه.. من دواوينه الشعريّة: إلى مسافرة 1966- العيون المحترقة 1972- لؤلؤة في القلب 1973- في انتظار ما لا يجيء 1979- الدائرة المحكمة 1983- الأعمال الشعريّة 1985- لغة من دم العاشقين 1986- يقول الدم العربي 1988- هئت لك 1992- سيدة الماء 1994- وقت لاقتناص الوقت 1997- حبيبة والقمر (شعر للأطفال) 1988- وجه أبنوسي 2000- الجميلة تنزل النهر 2002.. أيضاً كانت له من المؤلفات التي تتصل بجماليّات اللغة العربية وآدابها- لغتنا الجميلة- أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي- أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي- العلاج بالشعر- ومشكلات المعاصرة- مواجهة ثقافية- عذابات العمر الجميل (سيرة شعريّة)
رغم الكم الكبير من القصائد والدواوين الشعريّة إلاّ أنه ظلم نقدياً ولم يأخذ نصيبه الحقيقي من الشهرة رغم اسمه ومكانته الأدبية والنقديّة، فكانت برامجه الإذاعية أكثر شهرة من قصائده الشعرية وإن جاز لنا هذا التعبير، وعندما نلقي الضوء على إنتاجه الشعري متمثلاً في هذه الدواوين فنجد أنها كانت تتناول قضايانا العربية ومجابهة الغزوات الاستعمارية البغيضة، فكانت منهجيّته تنبع من عشقه للروح العربية وأيضاً إحساس الشاعر ووعيه وحضوره في البيئة التي يعيش بها والعالم المحيط به، فكتب ديواناً بالكامل وأسماه بل أطلق عليه (يقول الدم العربي) وهو يطرح مأساة الأمة العربية كيف كانت وكيف باتت على الألم والحزن الدّفين من هذا التّمزق الذي يجب أن يلتئم جرحه وتبقى حائط صّد ضد المؤامرات الخارجية التي تسعى دائماً لضعف وشلل هذه الأمة الأبيّة.
شغل الراحل (فاروق شوشة) كثيرأ من المناصب الأدبيّة منها:
• عضو مجمع اللغة العربية في مصر.
• رئيس لجنتي النصوص بالإذاعة والتليفزيون المصري.
• عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس لجنة المؤلفين والملحنين.
• شارك في مهرجانات الشعر العربية والدولية.
• كتب الكثير من المقالات النقدية في بعض الصحف والمجلات العربية.
• حصل على جائزة الدولة في الشعر عام 1986، وجائزة (محمد حسن الفقي) عام 1994، وعلى جائزة الدولة التقديرية في الآداب 1997.
• حصل على جائزة النيل في الآداب وهي أبرز جائزة سنوية تمنحها مصر في مجال الثقافة والفنون.
كتب عنه د. مصطفى عبدالغني (كتاب البنيّة الشعريّة) وكان من أهم الكتب التي تناولت أعماله الشعريّة من خلال رؤية نقديّة سجّل فيها إلى أي مدى كان الشاعر الراحل متفوقاً في بناء القصيدة الشعريّة واختيار كلماته وصوره الشعريّة التي تميّز بها، وترابط أفكاره وقضاياه التي كان يطرحها في إبداعاته الأدبيّة جميعاً..

 

ذو صلة