في قلب أبها وبين مزارعها وعلى ضفاف واديها وبجوار سوقها الشعبي التاريخي (الثلاثاء)، أو كما يسميه الأولون (الثلوث)، تقع قرية المفتاحة في حضن من بساتينها ومزارعها وأشجار التوت التي تميزها، حاملة عبق الماضي الجميل لمدينةٍ اتخذت من الجمال عنوانها الأساسي.
كانت تلك البقعة الأصيلة مكاناً حاضناً لعدد من المباني ذات العلاقة الحميمة والمتداخلة بأزقتها وساحاتها وبساتينها وإنسانها المتطلع للجمال والآخذ به، أخذت المفتاحة زمنها بزهو امتد سنين طويلة ثم خلت شيئاً فشيئاً حين زحفت عليها المدينة من كل صوب وخلت منازلها من ساكنيها وأهملت مزارعها، وكان لابد من التفكير في أفضل السبل للاستفادة من بقاياها وفي خضم ما يستجد من تطوير للمدينة تواردت الأفكار لجعلها منتزهات ومتنفساً لأبها وأهلها وحينما كان خالد الفيصل يحلق بخياله كما عهدناه دائماً باحثاً عن كل جديد وعن بادرة جديدة من بوادره الجميلة رأى أن يتم الاحتفاظ ببعض المباني المناسبة كنمط معماري محلي: وأن يتم إنشاء مبانٍ جديدة تحمل الطابع القديم للمفتاحة وإقامة قرية سياحية تحتضن الفنون التشكيلية والفوتوغرافية وتكون مركزاً للإبداع والمهارات والتراث ولعل أصالة روح الفنان وخياله قد استوحت تلك الفكرة مما تميزت به القرية قديماً من الصفات الجمالية المشار إليها هنا: بدأ مشروع المفتاحة وكان لابن المكان الذي عاش فيه ونشأ المهندس صالح قدح نصيب في تخطيطها مازجاً بين ذكريات الأمس في هذا المكان والرؤية الحديثة المستوحاة من عمارتها التقليدية لمبانيها الحديثة.
وها هي المفتاحة بحلة جديدة وإطلالة على العالم:
من خلال هذا المشروع الحضاري وعلى مساحة 14500م2 تتربع المفتاحة بحلتها وحدائقها ومساحاتها ومراسمها وقاعاتها ومسرحها الأكبر عدداً ومساحة بسعة 4000 كرسي، و12 مرسماً للفنانين وقاعتي عرض كبرى ومعرض للكتاب وأماكن للتراث والآثار ومتحف أثري ومكتبة وسكن للفنانين الزائرين ومطاعم وورش عمل مجهزة: وبدأت تستقبل زائريها منذ عام 1410هـ.
وأصبحت مزاراً مهماً في منطقة عسير وعلا اسمها واستقبلت الفنانين من جميع الدول وفتحت معارضها ومراسمها واحتوت فناني المملكة ومعارضهم وكانت رافداً مهماً للحركة التشكيلية السعودية واستضافة عدد من الفنانين العالميين لإقامة الدورات وورش العمل: ووقف على خشبة مسرحها الكبير كبار الفنانين من العالم العربي تغنوا بفنهم وطربهم وقدم كبار نجوم المسرح العربي فنونهم بمسرحيات وليالٍ فنية وتم تكريم المبدعين في كل مجال من على هذا المسرح وفاءً ومحبة من خلال جائزة المفتاحة السنوية التي دأبت على تكريم كل مبدع من داخل الوطن وخارجه فكانت جائزة المفتاحة عنواناً للوفاء لكل من قدم علماً وثقافة وفناً في شتى المجالات.
حينما تزور المفتاحة فأنت بين جمالية المكان وعبقه تنتقل بين متاحفها ومراسمها وأماكن التراث وهناك المتحف المميز متحف الحضارات الذي يضم عدداً من القطع الأثرية النادرة والعملات والمخطوطات والنفائس والمتحف الأثري المكون من ثلاثة طوابق وهو في أحد المنازل الباقية من الحي القديم، وبها عدد من المحلات المهتمة بالتراث والمشغولات والملابس القديمة، ويقام مزاد دائم للتراثيات والقطع النادرة: ولا تخلو كل وقت من إقامة فعالية فنية وتراثية وورش للعمل والتعليم.
المفتاحة ذلك الاسم المرتبط بالفن وحكاياته تبقى حاضنة ومُشرعة الأبواب للمبدعين والمحلقين بفنونهم. ثلاثون عاماً كانت خلالها منارة أظهرت مواهب وعلمت أجيالاً وأفرزت فنوناً وجماليات عبرت إلى خارج الحدود تحمل تجديداً ورؤية واحتضنت أكثر من ثلاثمائة معرض، وأقام بها عدد من المبدعين...
المفتاحة.. حكاية ارتبطت بكل معاني الفنون وحفرت اسماً في ذاكرة كل من زارها وأقام بها.
* فنان تشكيلي، مدير قرية المفتاحة سابقاً