الموت حتمية لا بد منها، ومصير قريب أوانه مهما بعد، لكن يبقى ضمير العلاقة مع الوجوه التي عرفناها وآنسنا وجودها واستطبنا معشرها وترافقنا الدروب وحكايات الأيام بصحبتها؛ يثير أشجان الحزن على الفراق في النفوس, ويحملنا على تذكر كل التفاصيل في حياة من فقدناه، وعلى قدر طواعية الذاكرة تقوى المرارة ويزداد الألم. لقد فقدنا روائياً استثنائياً وإنساناً حراً، علمنا معنى الكتابة الصادقة والإبداع الحر.
يقول في تصريح لإحدى الصحف الجزائرية وهو على فراش المرض في مستشفيات باريس: «ما تزال علاقتي بالموت والحياة نفسها، علاقة لا موجب فيها ولا سالب، فأنا لا أربط بين نضالي الاجتماعي والاقتصادي الطبقي وبين الميتافيزيقا إن الخوف من الموت لم يعترني لحظة، ولا حتى الخوف من العواقب، فنحن خلقنا لنموت, وأنا لم أفعل إلا الخير». وفي مقابل ذلك لم يخفِ خشيته من أن يداهمه الموت وهو لم يكمل بعد مشروع نصه (قصيدة في التذلل) الذي يشتغل عليه منذ العام 2007, وفي هذا العمل يقف عند مسار اليسار في الجزائر وثنائية الثقافي والسياسي، وقد قال: «إن رغبته في الانتهاء منه جعلته يعود للكتابة وهو في المستشفى وأن كل ما يخشاه أن ينشر العمل بعد رحيله تحت عنوان رواية لم تكتمل».
لقد وقع الكاتب الراحل في حب القصص والروايات والمسرحيات، لما توفره من مساحات شاسعة للتعبير عن هموم الوطن، فكان يجد فيها الوسيلة التي تسعفه في التعبير عن كل ما تلتقطه حواسه، فنشر عددا من القصص في جريدة (الصباح) وأسبوعية (لواء البرلمان) التونسيتين، وأسبوعية (النداء) و(مجلة الفكر). وبعد استقلال الجزائر أسس أول جريدة أسبوعية كان عنوانها (الأحرار)، وفي عام 1963 أسس أسبوعية (الجماهير)، كما أسس في 1973 أسبوعية (الشعب الثقافي) التابعة لجريدة الشعب الحكومية، وذلك بسبب توجهاتها اليسارية. اعتنق الطاهر وطار الفكر الماركسي الذي كان ظاهراً في كتاباته ذات النفحة اليسارية، ورغم ذلك فإنه كان عضواً نشيطاً في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم من 1962 إلى 1992, وشغل فيه مناصب متعددة، دون أن يمنعه ذلك من اتخاذ مواقف شجاعة، مثل معارضة الانقلاب الذي قاده العقيد وزير الدفاع هواري بومدين.
صدرت للراحل عدة مؤلفات نالت جوائز عدة وترجمت إلى أكثر من لغة، وأهمها قصة (الشهداء يعودون هذا الأسبوع) سنة 1974 فتحولت إلى مسرحية نالت جائزة في مهرجان قرطاج، ثم رواية (اللاز) التي صدرت في السنة نفسها، ورواية (العشق والموت في الزمن الحراشي) التي صدرت عام 1982، ورواية (الولي الصالح يرفع يديه بالدعاء). ليقوم في عام 1989بتأسيس (جمعية الجاحظية) التي كانت ملجأ لكل الكتاب والأدباء البسطاء والمغمورين، حيث كان ينظم ندوات ويصدر كتباً رغم الإمكانات المحدودة التي كانت تتوافر عليها الجمعية. وفي أواخر أيامه أصدر رواية بعنوان (قصيدة في التذلل) عن دار كيان في القاهرة، وهي الرواية الحادية عشرة في سجله الروائي, وتناول فيها على نحو ساخر تذلل بعض الشعراء الذين تقلدوا مناصب في الإدارات الثقافية. ولم يقتصر نشاط الطاهر وطار على المجال الأدبي، بل كان مشاركاً بشكل دائم في النقاش العام حول القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية في بلاده والعالم العربي حيث دخل في سجالات مع أطراف عدة، وفي سنواته الأخيرة رفع شعاره المتميز: «لا إكراه في الرأي».