مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

سمة المعرفة الهندسية في فن الخط ونقاطه الأساسية

تبرز أنظمة الهندسة في فن الخط عبر الإدراك المعرفي الذي يغذيه فنان الخط (أحمد مصطفى) وقوانينه التي تتوافق مع نغمات الحروف العربية التي يختارها بصرياً، لتنسجم مع الفروق بين الأحرف ومصطلحاتها الهندسية، باعتبارها التكوين الفني البنائي وعمقه المؤثر في التكوين، ليتخذ من سمة المعرفة الهندسية في الخط ونقاطه الأساسية قوة إدراكية في التنظيم والابتكار بين القواسم المشتركة وفضاءاتها البصرية والحسية معاً. إذ تتفاوت المساحات بين الحروف، لتتلاقى بوعي هندسي يجمع من خلاله الأنماط المختلفة، وبشفافية العلاقات بين الحروف العربية ومتغيراتها في المقاييس. أي بين الحروف كالألف والجيم وعدد النقاط في كل منهما، حيث تتجرد الأشكال من الثبات وتتآلف مع التموجات عبر قوة التوافق والتناغم، أو حتى بين الأضداد والعلاقات المعقدة بين الحروف كافة، وبنسب هندسية يحافظ عليها بمرونة ذات أشكال لحنية تنبع من القدرة على التناغم بين الخطوط وعدد النقاط في كل حرف يختاره، ويمنحه فلسفة جمالية اختزالية ضمن المستويات البصرية وتنوعها بين القصير المدى والطويل المدى، مما يسمح باستنباط الشكل اللغوي في العمل الفني الذي ينتمي للفنان أحمد مصطفى. فهل من انفصال بين الحرف العربي والشكل اللغوي في الأعمال الفنية التي تنتمي للكلمة وما تحمله من معنى جمالي؟
يتخذ الفنان (أحمد مصطفى) من امتداد الحرف سمة معرفية هندسية تميل إلى التكوين المجرد، المساهم في التعبير الجيومتري على عكس الامتداد الطبيعي للحرف أو الفطري بطبيعته العميقة فنياً، وبنقاوة بصرية ذات ترنيمة وجدانية خفية في التكوينات الجزئية الأكثر تطوراً عند تأملها، لأنها تنتج عدة أشكال إيحائية مرتبطة بالمعنى، سواء من خلال الإيماءة الهندسية التي يربطها بالمفهوم الفني أو بالإيحاءات التي تكشف عن قيمة الحرف وتوازنه، في فضاءات مفتوحة بصرية داخل المساحات المستوحاة كونياً من المدى البصري المفتوح والأبعاد، للدخول في التجريد الهندسي عبر اللغة العربية وارتباطها هندسياً بالخطوط التي تمنحها قدرة على تحديث أشكالها المختلفة تبعاً لخيال الفنان، ومفهومه الهندسي والجيومتري، وحتى في العمق الإيماني باللغة القرآنية تحديداً في هذا النوع من الفن الذي ينتمي للفنان (أحمد مصطفى) وأشكاله التجريدية الأكثر قدرة على التعبير الهندسي -إن أمكن قول هذا- لأن الخيال الإبداعي عنده مرتبط بالفن البصري ودوره في إيجاد رسومات مجازية، ببنيات غير عشوائية منظمة عبر مفاهيم الانسجام الكوني والتمثيل الهندسي العالمي القادر على الاعتماد النسبي بين نقاط كل حرف وحجمه، وما ينشأ عنه من تناغم وتضاد معاً، بعيداً عن الجمال المعنوي الناتج عن الحرف بجميع أشكاله منفرداً أو منفصلاً أو متصلاً، وما يتخذه كل حرف من وسيلة للاتصال أو الانفصال من خلال المسافات فيما بينه وبينه الحروف الأخرى، كأن الحرف كائن حي يتعامل معه بيولوجياً وفق حركته في كل كلمة، تاركاً الامتداد للبصر قبل اليد، ولقوانين الحرف التي يفرضها عليه، وبترادف مهيب جمالياً يمكن من خلاله فك شفرة المعنى من خلال الشكل الذي يمنحه جيومترية خاصة.
يمكن استنتاج النسب الذهبية التي يعتمد عليها الفنان (أحمد مصطفى) كلما حاول البصر تفكيك مقاييس الحرف أو كلما نتج عن جمالية الأبعاد إيحاءات مختلفة، سابحة في المساحات المتكونة من الفراغات تحديداً، وذلك لإضفاء مظهر جمالي قدسي ناتج عن الحرف العربي، كحرف قرآني يمتد بمعناه إلى حيث لا يدركه الذهن، وهو قابل للتحليل والتأويل والتخيلات، ولواقع مستوحى من قصص قرآني وأسرار كونية مرتبطة بعلوم الفلك. مما يسمح بالتعبير عن الانسجام الكامن في الكلمات وحروفها وتآلفها مع نظرة الفنان، واستخدامه كافة المجالات القياسية للحروف من النقاط السبع إلى التدرجات الأخرى في النقاط من الأعلى إلى الأسفل دون أي تجاوزات، كي لا يفقد الميزان البصري توازنه، وبالتالي تفتقد القيمة الجيومترية معادلاتها وتسيء للشكل الهندسي الذي يمكن من خلاله إيجاد عدة أشكال أخرى. فهل من تجريب في التجريد الهندسي للخط وأشكاله الهندسية التي تترجم قوة الحرف العربي وأبجديته الهندسية في تشكيل حيوي يرتبط بالمساحة والدوائر الوهمية بشكل مباشر بين التناسب والتناظر؟ إن الفن الهندسي القائم على العلاقات التوافقية بين الأبعاد والفراغات والمساحة بشكل عام وكل حرف متناظر مع الأشكال الأخرى القائمة حول المحاور التي يحددها في كل شكل حروفي، وبتنظيم مصغر؛ يمكن أن يتخذ من أبسط الأشكال العناصر الرئيسة لبنائه، كبنية رياضية ذات عمل فني هندسي يحمل سمة معرفية جمالية نشأت من الحرف وكينونته، وبحس هندسي يميل إلى فهم الأسس الكونية القائمة على نظام النقاط وأهميتها في التشكيل. وهل من فهم فلكي في نظريته التي يعتمدها في رسوماته التي وصلت إلى النسيج أيضاً، ولقدرتها على بسط هندسيتها دون تعقيد في البنية الأساسية التي ينطلق منها ضمن شكل كل حرف ومقاساته وأبعاده الداخلية والخارجية، وبدمج تقني منضبط وقادر على التحديث الدائم في الشكل وتغيراته البصرية الفنية بالتداخل والتشابك والتوليف الابتكاري المرن، والمتوائم مع قانون التجاذب بين الجزء والكل، مع ما يرافقه من معادلات رياضية ذات تأثير بصري مستمد من النصوص القرآنية وما تجسده من المعاني المذهلة كونياً؟ كما أن التأثير الحركي في أعماله لا يتجاوز العناصر الثابتة بل يتيح القدرة على الاستكشاف والتأمل بغض النظر عن عدم القدرة على القراءة لمن لا يتقن فهم اللغة العربية، ولكن يستطيع من خلال رؤية أعمال دكتور (أحمد مصطفى) فهم النظام الكوني الذي يعتمد عليه الحرف العربي في تشكيله. فهل يمكن فهم اللغة وحركتها من خلال الرسومات النظامية والقائمة على مفهوم النظام الكوني في الحركة وجمالية الأشكال الناتجة عن ذلك؟
يحاول الفنان (أحمد مصطفى) تطوير رؤيته الفنية في الخط ومداراته المناسبة ضمن المساحة التي يحصره فيه أو يتركه لينفلت إلى أخرى، وبما يحدده له من تماثلات منطقية مع سواه دون الاقتراب من المتعددة السطوح. إذ لا تتكرر الأشكال كثيراً ضمن الحرف الواحد المنخفض الحجم إلا لتشمل النسق الفنية للأحجام الأخرى في فهم هندسي للعناصر الأساسية في التكوين الرأسي مع الاهتمام بجسم الحرف، وإن تناقص أو تكامل أو انفصل أو التحم أو حتى تلاشى مع الفراغات، كل ذلك ضمن العلاقات المحددة أو المتخيلة مع الحفاظ على المقاييس وصرامتها، واتجاهاتها وقدرتها على فتح الأفق المتخيل وتوسيع الإدراك الفكري من منظور الحرف المشابه لكينونة الإنسان ومدركاته الأخرى، كالاستقامة والانحناء والميلان، والكينونة أو وجوده المتجدد من خلال الآخرين مع الاحتفاظ بالجوهر الثابت للنقطة القادرة على إيجاد التوازنات الأساسية للميل نحو الكمال جمالياً، وذلك ضمن النسب الذهبية المتمسك بها علمياً بما يخص الحروف العربية وعقلانية الأسس فيها، مع الانسجام الوجداني في حركاتها ومعانيها بصرياً أو تكوينياً فيما يخص الشكل والمعنى وقوة الانسجام بينهما لمن يدرك فهم اللغة العربية. فهل التعبير عن التناغم الكوني في حروفياته هو تنبيه للدور الهندسي وفلسفته المفتوحة على رياضيات الدوائر والأشكال الأخرى القادرة على تسهيل فهم الكلمة كي لا تتحول رسوماته إلى متاهات لا يمكن فهمها أبداً؟

ذو صلة