إن أي حديث عن مسرح عربي حقيقي يعد حديثاً قاصراً وغير مكتمل الجوانب من وجهة نظري إن لم تتوافر البنى التحتية لوجود ذلك المسرح ككيان طبيعي وليس غريباً أو نادراً كنبت أشأم أو طحلب ضار فوق الأرض العربية كلها من المحيط إلى الخليج، فأول ما نفكر فيه هو أن يكون المسرح عنصراً أساسياً من عناصر الحياة كالماء والهواء أو كالطعام والشراب والدواء. المسرح في يقيني ليس ترفاً أو رفاهية أو ترفيهاً كما يعتقد الكثيرون، إنه حاجة أساسية لتعلم كل شيء ولفهم الحياة والوجود فهماً صحيحاً شاملاً، هو مدرسة وعيادة وحديقة وإن كان اسمه مسرحاً، فليس من المعقول أن نتحدث عن مسرح عربي ولا يزال كُتاب المسرح عندنا يكتبون النص المسرحي بالعامية، ليس العامية فحسب بل باللهجة المحلية الضيقة أو اللهجة القُطرية، وكُتاب المسرح يتخلقون عندنا اجتهاداً لا تعليماً مؤسساتياً في صفوف دراسية أكاديمية. كما أنه من غير الممكن أن نفتح نقاشاً عن مسرح عربي ولا وجود في مكتباتنا وفي مكتبات العالم لنص عربي مسرحي له طابع العالمية، ولا وجود لنصوص مسرحية عالمية تمثل عندنا في كل ليلة من ليالي السنة كالمآسي الكبرى لشكسبير، ولا وجود لممثلين محترفين متمرسين جاهزين ومدربين يتقنون أداء أدور لممثلين ماتوا بشكل فجائي والعرض المسرحي قائم ومستمر كما يحدث في روسيا وإنجلترا، بل لا يوجد حسب علمي سوى معهدين عربيين عاليين للفنون المسرحية أحدهما في القاهرة والآخر في الكويت، والنص المسرحي لم يدخل المنهج المدرسي الرسمي إلا على استحياء في شكل مسرحية شعرية مبتورة ومقطعة أو مجزوءة من سياقها العام، أو في شكل تعاريف لمصطلحات مسرحية جامدة. بل إننا في عالمنا العربي لا نرى المسرح إلا في صورة ممثلين يهزؤون ببعضهم بعضاً ويسخرون من الواقع العام في أول ليال العيد الثلاث أو في المهرجانات الثقافية ثم يُنسى المسرح طوال العام كله. بل إن من المؤلم جداً أن أرى خشبة المسرح في المدارس والجامعات العربية تُستخدم دائماً لأغراض احتفالية غير مسرحية كإلقاء الخطب والكلمات أو حفلات التكريم والتوديع والتأبين والتقاعد وفقرات الإذاعة المدرسية. وبما أن المسرح في المملكة العربية السعودية كان الأقل حظاً في سنوات ولّتْ من حيث موضوعة البنية التحتية، فإنه الآن وفي العهد الجديد للثقافة والأدب إجمالاً في بلادنا لم يعد مقبولاً أن نوجد الأعذار أو نسبب الأسباب لتخلّفه -أو قل جموده إن شئت- أو عدم نهضته السريعة، فالعوائق التي كان يقول بها منظّرو الحركة المسرحية عندنا بأنه يوجد (أزمة نص) و(أزمة ممثلات) و(أزمة كوادر فنية متخصصة) و(أزمة مسارح مهيأة تهيئة عصرية) فهي وإن صحّتْ أسباب ثانوية، ذلك أن السبب الرئيس من وجهة نظري ينال ذائقة الإنسان في المملكة العربية السعودية بمختلف طبقاته الفكرية والاجتماعية ومستوياته التعليمية. فالمفترض من المسؤولين عن الثقافة وعن الفن في بلادنا أن يربّوا ذائقة النشء على حب المسرح من خلال تسلله بشكل جاذب في المناهج المدرسية منذ الطفولة، وأن يصحّحوا توجّهات البالغين والكبار بحيث تميل أفئدتهم ميلاً طبيعياً إلى فن المسرح كما حدث في تجربة الميل إلى السينما وإلى راليات السيارات ولعبة البلوت والشعر النبطي وغيرها. إننا بحاجة إلى أن ينجح المسرح لدينا إلى حد أن يكون نجومه كنجوم وسائل التواصل الاجتماعي، باختصار أن نُحيل المسرح إلى فن اجتماعي لكل الناس، ومن خلال نجومه الذين سيتوالدون ويشتهرون، فهم الذين سيدفعون بالأب والأم وكافة أفراد الأسرة من الأطفال والبالغين إلى الذهاب سوياً إلى العروض المسرحية. ومع أن صناعة الفكر المسرحي ليست مستحيلة ولا هي سهلة جداً في نفس الوقت، بل هي مثلها مثل غيرها في كل فن قد تتأتى بالتعليم وبالدربة وبالمحاكاة، وما كان يمكن أن يحدث في دول أخرى ما يسمى بالإرث المسرحي لولا وجود فكر تم تربيته ذوقياً على حب المسرح، ولكم تمنيت كثيراً جداً أن يكون لدينا في المملكة العربية السعودية مجلة مسرحية تصدر بشكل شهري تساهم في تكوين فكر مسرحي جديد يصل بنا إلى حد العالمية.