لتجارب الشعوب اعتبارها، وللحكم والأمثال دورها في تأسيس الوعي، ومما ورد في أدبياتنا (اسأل مُجرّب ولا تسأل طبيب) والإفادة من الدروس، والمواقف شأن كل حصيف، ودأب كل أريب، دون تماهٍ مطلق، أو تسليم كُلّي لكل قول، أو أثر، أو بيت شعر، فالنسبيّة واردة حتى في أمور حياتنا النظرية والأدبية والاجتماعية.
لربما يذهب بعضنا ضحية التسليم بالأمثال والحكم والموروثات، حين يتلقاها بالقبول التام، دون فحص، ولا مقاربة مع الواقع، ولا توقّع للعواقب المترتبة، على تنميق أسلاف، وتلفيق أجلاف، مما لا يصلح للاستدعاء، في كل زمن، ولا يفيد بتطبيقه كل أحد قدر ما يضر.
لي صديق يقدّس الأمثال ويطبّقها حرفياً في حياته، ومنها المثل الذائع (كُلْ ما يعجبك، والبس ما يُعجب الناس) وصادفت علاقته بهذا المثل، وفرة مالية، وطفرة جسمانية، فانفتحت شهيته على ما يلذ له، وما أسرع ما يسيل لعابه إذا مرّ بمطعم أو شم رائحة كُشنة، فيأكل حتى يُتخم، وإذا استراح يقطع الاستراحة بالتشهي.
فيما يخيط ويفصّل من أحدث الأقمشة، ملابس مزركشة، صيفي، وربيعي، وخريفي، وشتائي، وكلما صادف معارف وسألوه (من أين كل هذه الفخامة) ينتشي، ثم يندفع لاقتناء المزيد، ويبالغ في اختيار عطوره، وإكسسوارات الثياب، من أزرار مذهبة، وكبكات لامعة، وأقلام فاخرة.
سنين مرّت على هذا الصديق، فإذا بثيابه لا تسع جسده المترهل، وحبطته المندلقة، وأوراكه المتورّمة، وهاجمته عِلل، أفقدته القدرة على الحركة، ولا أبالغ إن قلتُ، انعدمت ملامحه الأولى، وزهد في الخروج من المنزل، ولم يجد بُداً من اللجوء لاستئصال ثلاثة أرباع المعدة، وتحوير الباقي، ولم تقف المأساة عند زيادة الوزن، بل تزامنت مع قِلة ذات اليد، كونه أسرف في الصرف على الأزياء، وربما عجز عن تأمين الدواء، وما يلزم من أغذية عضوية وصحية، تفادياً لعودة الكرش.
سألته: ما الذي أوصلك إلى هذا الحال؟ فأجاب: التسليم بالأمثال، واقتفاء القول المأثور دون نظر ولا تدبّر. وأقسم لي أن (الاعتدال) أميز ما تميّز به شرعنا الربّاني.
إن أكلنا كُلَّ ما يعجبنا فنحن عُرضة لأمراض تبدأ بزيادة الوزن ولا تنتهي عند السكري والكولسترول وضغط الدم.
وإن لبسنا ما يعجب الناس فقد نستدين ونغرم ونتكبد المشاق كون ما يعجب أحدهم أو إحداهن، يستفز الآخرين، ويستثير سخريتهم وتأففهم، والناس أمزجة متقلّبة، وما أعجبهم اليوم لا يُعجبهم غداً، ولكن، كُلْ ما تحتاج، والبس ما يلزمك، دون إسراف ولا تقتير، وصدق الله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، ولا تبسطها كل البسط).