إهداء إلى صاحب هذه القصة، مع أصدق الدعوات بالعمر المديد له في صحة وعافية، إلى وزيرنا السابق علي النعيمي، صاحب الطموح الكبير .
الفصل فصل صيف، واليوم شديد الحرارة تماوجه رطوبة بين آونة وأخرى، جاء علي العامل السعودي الشاب يسير بسرعة ملحوظة ينشد جرعات ماء باردة من برادة الماء الموجودة لموظفي شركة أرامكو، ليطفئ لهيب النار الذي يشتعل داخل جوفه، كان كالحالم الذي يحلم بشربة ماء وهو في حضن صحراء قاحلة، وما إن رفع كأس الماء البارد إلى شفتيه، إلا ويد غليظة تمتد وتمسك بيده لتمنع وصول كأس الماء إلى شفتيه، ويتبعها صوت قوي يخاطبه بغلاظة وفظاظة قائلاً له: أنت عامل؟! ولا يحق لك الشرب من الخدمات الخاصة بالمهندسين! استغرب العامل علي، هذا التصرف!وتألم داخل نفسه، وغادر مكانه مهموماً حزيناً، مضت ليالٍ طويلة به وأيام أطول وهو يفكر أنا السعودي وفي بلدي ولا أستطيع أن أشرب ماء يطفئ لهيب حرارتي ويروي ظمئي، والأجنبي يتمتع بذلك، لماذا؟ ألأنه مهندس وأنا مجرد عامل مسكين؟ ومضى يتساءل بينه وبين نفسه كلما احتضنه فراشه، وحلق بخياله بين نجوم السماء هل أستطيع أن أكون في يوم ما مهندساً وأكون مثل هؤلاء؟ وكان تارة يخرج من تفكيره بأن هذا مستحيل وصعب عليه أن يصل لمثل ما وصل إليه هذا المهندس وغيره، لكنه حينما يتذكر موقفه مع المهندس الأمريكي، ويتذكر حديثه الفظ الغليظ الذي سمعه منه، يشعر بطاقة قوية من التحدي وبقوة جبارة من الإرادة وبعاصفة من الطموح كبيرة تدفعه للمغامرة وخوض هذه التجربة ليصل إلى قمة الشاطئ الآمن الذي يحميه من الغرق من جديد، في بحر الضعف والشعور بالقلة والإحساس بالحزن والهم الدفين.
فكر ملياً، وحادث نفسه ماذا ينقصني أنا لأكون مثله، ما دمت أملك الطموح ولدي إرادة صلبة، ورغبة كبيرة وهدف محدد ونيتي خير لخوض طريق العلم؟
وبتوفيق الله سبحانه وتعالى، توكل على الله وعقد النية بمواصلة تعليمه البسيط، فبدأ يكمل تعليمه بدراسته ليلاً حتى لايخسر وظيفته، ومن ثم تابع تعليمه صباحاً.
ومرت السنوات سريعاً حصل خلالها على شهادة الثانوية العامة بتقدير كبير، وكان الله معه بتوفيقه له، فتم ابتعاثه للدراسة إلى أمريكا على حساب الشركة، ومضت الأعوام بسرعة وعاد لوطنه، وهويحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة، وظل يعمل بكل فخر وجد واجتهاد وإخلاص، وتدرج في عدة مناصب إدارية مع تقدم السنوات، وحقق بطموحه أكثر مما كان يحلم به وأصبح رئيس قسم ثم تولى رئيس شعبة حتى تم تعيينه كأول رئيس سعودي لشركة أرامكو، بعدها تم تعيينه وزيراً للبترول والثروة المعدنية ورئيساً لأرامكو في عام 1995م.
ذاك العامل البسيط والموقف الصعب الذي تعرض له وأشعره بالقلة والضعف وأصابه بالهم والحزن، وحرمه من شربة ماء باردة كان يتوق لها دفعه بالتحدي والطموح والإرادة إلى أن يصبح أول رئيس سعودي لشركة أرامكو العملاقة ثم وزيراً معروفاً للبترول والثروة المعدنية لم تنته القصة بعد فقد دارت الأيام وجاء ذاك المهندس له، ليحصل منه على توقيع بالموافقة على إجازة له، وهو يعتذر عن موقفه السابق خائفاً أن يمنعه من الإجازة، لكن مهندسنا السعودي، لم يعامله بالمثل بل قال بعقله المفكر وأخلاقه العالية: «أحب أن أشكرك من كل قلبي على منعي من الشرب في ذلك اليوم، صحيح أنني حقدت عليك ذلك الوقت ولكن أنت السبب بعد الله فيما أنا عليه الآن».