مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

ذكاء مراقب جمركي

حب المال وعدم القناعة بالقليل، أصبح سبباً في كثير من مصائب بعض الطامعين لجمع أكبر قدر من المال في وقت قصير، أحلام الثراء والحياة المرفهة المريحة، والعيش الرغيد والإغراء بعالم كبير من السعادة، دفع الكثير من الطامعين، وبعض جهلاء النفوس الضعيفة للتورط في تجارة الممنوعات للحصول على مبالغ ضخمة، وعلى الرغم من أن تسعين في المئة من محاولات التهريب تكون فاشلة وتكشف من قبل مراقبي الجمارك الذين يتمتعون بذكاء وفطنة كبيرتين يكشفون عن طريقها المشتبه فيهم.
لكن تظل عملية التهريب وإغراء المال عملية تحدٍّ بين المراقب الجمركي، والمهرب الذي يغريه صاحبه بأن طريقة التهريب التي أعدت لن تكشف أبداً، وسيحصل على مبلغ مالي كبير يعيش به عيشة الأغنياء السعداء، ناسياً أنه لو كشف فسيعرض نفسه للموت أو السجن المؤبد.
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ليلاً من شهر ربيع الأول لعام 1438هـ، في هذا الوقت كان يجري لقاءٌ سريٌ بين تجار المخدرات والمهربين، لشرح طريقة التهريب الجديدة بطريقة مبتكرة لا تخطر على بال الشيطان نفسه، استمع المهرب إلى شرح طريقة التهريب، مطمئناً أن هذه الطريقة لا يمكن أن يكشفها المراقبون أو المفتشون لحبكتها، كما استمع لباقي التعليمات والنصائح من التاجر، وقبض منه نصف المبلغ على أن يتم تسليمه باقي المبلغ بعد تسليم شحنة المخدرات للرجل الذي سيقوم بتوزيعها.
خرج المهرب من غرفة الاجتماع السرية وهو مفعم بالسعادة لحصوله على مبلغ كبير، متجهاً لمنزله وهو يبني أحلاماً لا حدود لها، نام وهو غارق في بحر الأمنيات العديدة، بعد يومين استلم السيارة وهي مجهزة بـ 400 ألف و624 حبة كبتاجون مخدرة، وانطلق بها متجهاً إلى جمرك الحديثة.
وهناك أخذت الشاحنة دورها في الصف ليتم تفتيشها كباقي الشاحنات المحملة بالبضائع والقادمة من عدة دول ومناطق، ظلت السيارة فترة ليست بالقصيرة، حين جاء دوره، وطلب منه النزول لتفتيش السيارة، بدأ عليه الارتباك، اصفر وجهه، وتجلت علامات الخوف في عينيه، وتركزت نظراته على سطح الشاحنة، لاحظه المراقب الجمركي، وأدرك بحسه العملي وفطنته أن في الأمر شيئاً ما! سأله: ما بك خائف؟! تلعثم في الرد، وقال: أنا.. أنا لست خائفاً.. لماذا تغير وجهك وعرقك يتصبب؟!
هل تحمل ممنوعات؟ بتلجلج لا.. لا.. أنا من متعب من الطريق، الرحلة كانت طويلة ولم أرتح أبداً.. لكن نباهة رجل الجمارك وذكاءه لم تدعه يصدق قوله، وبفضل ذلك وبفضل ما هيأته المملكة من وسائل حديثة ومتطورة لكشف طرق ووسائل التهريب المختلفة، تم كشف مكان تهريب تلك الحبوب التي كانت مخبأة أسفل حامل (الكفرات) الاحتياطية بتيدر الشاحنة، وما إن بدأ رجل الأمن بقص وسط الشاحنة، حتى بدا المهرب مصدوماً في مكانه غير قادر على الحركة والحديث، لقوة الصدمة وضياعه بسبب ما معه، فهو لا يعرف هل سيحكم عليه بالموت أو بالسجن لسنوات طويلة، كان هذا أهم ما فكر فيه في تلك اللحظات المريرة التي لم يتوقعها.

ذو صلة