مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

العلاج النفسي ضرورة العصر

من أكبر المشاكل التي يتعرض إليها الإنسان في هذا العصر المشاكل النفسية، التي باتت تشكل هاجساً أمام العلماء، ومن بين المشاكل التي يحاول الباحثون الوصول إلى حلول علاجية لها القلق والاكتئاب، فبسبب هذين المرضين تجد نسبة الانتحار تتزايد سنوياً، إن القلق الذي يعتبر مرض العصر، وقد زادت حدته في الآونة الأخيرة، ربما يعود إلى حالة الترف التي وصل إليها الإنسان الحديث فأكثر الدول التي تعاني من حالة الانتحار السويد بالرغم من الحياة الرغدة التي يعيشها السكان.
وبالرغم من الانتشار الرهيب للأمراض النفسية إلا أن المرضى لا يفكرون في العلاج، بل يرفضون فكرة مرضهم مع أن الأمراض النفسية مثلها مثل الأمراض الجسدية، فالمتأمل للمستشفيات الخاصة بالمرضى النفسانيين في العالم العربي يجد أن معظمها يعنى بالأمراض العقلية، في شبه تجاهل للأمراض النفسية وربما يعود الأمر إلى الفكر الاجتماعي الذي يرفض رفضاً قاطعاً، الاعتراف والإقرار بالمرض النفسي لأن هذه الفكرة، تندرج إلى ما يسمى مستشفى المجانين وهذا يعد اتهاماً خطيراً سيعاني منه المريض أمام عيون مجتمعه، لهذا يفضل الكثير عدم الاعتراف بهذا الأمر حتى ينصدم بحالة انتحار لشخص ما؟
لهذا وجب علينا طرح السؤال الآتي: كيف نستطيع تغيير هذا الفكر وهذه النظرة السوداء للمريض النفسي؟
إن علماء النفس يؤكدون عدم وجود إنسان سليم نفسياً، مئة بالمئة بل إن كل شخص لديه عقد نفسية وحالات نفسية تعيش داخله.
إن القلق مرض نفسي، لا يظهر دون أسباب له فعلم النفس المرضي، لديه خطة لمعرفة أو تشخيص الحالات المرضية، هذه العملية التي تأتي قبل عرض خطة للعلاج.
يلجأ الفاحص إلى وسائل لتشخيص الحالة المعروضة عليه يمكننا أن نشير إليها في النقاط الآتية: الملاحظة التي تعتبر بوابة الفحص النفسي وهي بوابة لكل البحوث العلمية، وتقبل الفاحص لفكرة العلاج وهذا التقبل يصحبه مرونة وحسن استقبال المريض وينصب كل هذا في قدرة الفاحص على التعامل مع الحالة حسب نوعها: مكتئبة/ انطواء/ شك/ وساوس.
الفاحص يمتلك ناصية التحكم في نفسه من خلال قدرته على تحديد وقت الكلام ووقت الإصغاء والوقت الذي يدفع فيه الحالة للكلام وكسب ثقته وهذا عند التعاطف مع المفحوص والحزم والقدرة على الإقناع وإعطاء شروحات حول الحالة من أجل العلاج.
ومن أصعب ما يمر به الشخص المريض، عدم تقبله للمرض أو الاعتراف به، مما يجعله عرضة لزيادة المرض، وهذا يؤثر على حياته الشخصية والعائلية التي تكون ضحية لتعنته، إن اعتراف المريض بوجود مرض نفسي يسهل على الفاحص وضع خطة للعلاج بعد تشخيص الحالة والتأكد من نوع المرض الذي تعرض إليه، وهذا من خلال الجلسة التي يقوم بها والإصغاء إليه والذي يحتاج إلى تركيز وسعة الصدر والصبر ويلجأ الفاحص إلى عناصر لتشخيص المرض وهي أساسية، والمتمثلة في السوابق النمائية والتي يعرف منها معلومات دقيقة منها ولادته طبيعية أم لا، مرض الأم أثناء الحمل، الحالة النفسية للأم، وضعية الجنين داخل رحم الأم، الرضاعة... وغيرها من السوابق التي تساعد الفاحص على تشخيص الحالة، ومن السوابق الوراثية وجود المرض لدى أحد الأقرباء مثلاً، وأيضاً السوابق المرضية فمرض الحالة يؤثر على حالته النفسية.
وكذلك السوابق العائلية مثل وجود الأبوين وعدد الإخوة والحالة الاجتماعية والمادية والمكان الذي يسكن فيه والبيئة التي ترعرع بها
طبعاً هذه المعلومات يأخذها الفاحص من المحيط العائلي أو الملف الطبي ومن خلال المقابلات.
بالإضافة إلى السوابق العائلية العلاقة بينه وبين العائلة وعلاقة الوالدين ببعضهما والترابط الأسري، ثم يقوم الفاحص بتحديد أعراض المرض والأعراض الدالة على وجود قلق/ توتر/ هلع/ خوف من الأماكن المرتفعة/ خوف من الأماكن الضيقة/ أرق/ كوابيس/ فإن ظهرت عليه خمسة أعراض مما ذكر في الدليل الإحصائي فهذا يدل على مرض الحالة.
إن اول عقبة يواجهها المريض، ثقته في الفاحص، وقدرته على علاجه، بعد إبداء الرغبة في العلاج الذي يعد أولى الخطوات المهمة لعلاج المريض فهناك مرضى، بالرغم من مرضهم لا يعترفون بذلك خصوصاً للحالات التي تعاني الوسواس، إذ يقنع نفسه بأنه شخصية متزنة ولا تعاني الوسواس بل يرجع الأمر إلى العلة التي سببت له القلق ومثال عن ذلك:
المريض بوسواس النظافة، عندما تقنعه بعدم تكرار عملية التنظيف، يعطيك ألف تبرير لفعله: لقد غسلت يدي مرتين بسبب الرائحة، ولكن الرائحة ظلت موجودة حتى الغسلة الخامسة عندما يصل إلى عدد معين كما تمليه عليه نفسه يتوقف ويظل في نفس الترتيب الفكري مهما أعطيته من حجج.
يجد لنفسه ألف تبرير.
ومن أجل هذا لابد من مزايا أساسية يلتزم بها الفاحص وهي:
التكوين الجيد والإطار الخاص الذي يؤدي فيه مهنته والتعامل مع الأفكار والمعتقدات والوجدان وقد يتأثر بذلك وأي خطأ في التشخيص سيؤثر في قدرة الفاحص وإمكانياته المعرفية على العلاج، ومن أهم ما يميز الفاحص قوة الشخصية والثقة في النفس والأمانة والوصال والمرونة والقدرة على الإقناع والتفكير التحليلي وضبط الإطار الزمكاني للمقابلات، التي يلتزم فيها الفاحص بكل الشروط سالفة الذكر فهي بوابة للوصول إلى أعماق المريض.
إن الأمراض النفسية إن لم يتم معالجتها في بداية الحالة ستتطور فهي تشبه الأمراض العسيرة على العلاج فكل ما سارعت في الكشف المبكر كانت النتائج لصالح المريض وإن تم التهاون فإن البنية النفسية للشخص ستلتجئ لكل الحيل النفسية لتحقيق التوازن النفسي وفي حال فشلت ستنهار البنية النفسية ومن ثمة يكون الجنون هو الحالة النهائية للمريض إذ يعد الجنون حالة يدخل إليها المريض ليهرب من مرضه الذي كان سبباً في لجوئه لهذا الحل النفسي الصعب.

ذو صلة