يعلم جيداً المتابع للحراك الثقافي الذي شهدته السعودية منذ إنشاء وزارة الثقافة، أن التألق والنجاح والانتشار والتمدد ببرامج وهيئات نوعية؛ يدل على وجود خطط وإستراتيجيات، وهذا أمر مبهج وملهم لمن هم في الداخل، إلا أن هناك أجنحة معطلة في الخارج لم يُستفد منها حتى الآن. وهذا يطرح سؤالاً في غاية الأهمية عن دور الملحقيات الثقافية بما يتعلق بالحضور الثقافي.
كانت الملحقيات الثقافية تمارس دوراً ثانوياً فيما يتعلق بالشأن الثقافي، بحكم أن دورها تعليمي بحت، تحت إشراف وزارة التعليم، وهي تقوم بواجبها على أكمل وجه، وبأداء متميز ورائع في الشأن التعليمي والأكاديمي بمتابعة وتسهيل ودعم المبتعثين في أغلب دول العالم، وهو دور (تعليمي) بالدرجة الأولى.
لقد أخذت الملحقيات الثقافية الاسم الثقافي دون أن تكون هناك ممارسات ثقافية. فالمتابع للوضع سوف يعرف جيداً تضاؤل الاهتمام في وزارة التعليم بأغلب ما هو ثقافي، خصوصاً بعد غياب المناسبات السنوية المنتظمة وغير المنتظمة مثل الأيام الثقافية أو معارض الكتاب والمناسبات الخاصة كزيارات الشخصيات الثقافية البارزة والمحاضرات الجماهرية، مما يؤكد غياب النشاط الثقافي. وأصبحت إدارات الشؤون الثقافية في أغلب الملحقيات معنية بالأندية الطلابية وبأنشطة محدودة بميزانيات متواضعة جداً!
ربما لا تلام وزارة التعليم بذلك في قراراتها الأخيرة، كون هناك وزارة للثقافة معنية بهذا الشأن، وقد يكون هذا مصدر اللبس والازدواجية بين الثقافي والتعليمي. فالأنشطة الثقافية والفنية التي تقوم به وزارة الثقافة داخل السعودية لا تتناسب مع ما يرصد في الخارج، وهنا تأتي أهمية دور الدبلوماسية الثقافية كإحدى أدوات القوة الناعمة التي تعتمد على جاذبية الثقافة والفنون والآداب والرصيد التراثي والحضاري، وعلى الشخصيات الاعتبارية في الغناء والشعر والرياضة والمسرح والسينما والرقص والفلكلور.. وهذا من المستحيل أن تقوم به الملحقيات الثقافية في وضعها الحالي تحت إشراف وزارة التعليم.
يتطلب العمل الثقافي ممارسة وخبرة واطلاعاً وعلاقات وأفكاراً متجددة، ولا يمكن أن يتم ذلك باختيار شخصيات عابرة لممارسة العمل الثقافي بكفاءة وفعالية، خصوصاً أن الفئة المستهدفة مختلفة. فمقولة إن الثقافة والفن يستطيعان تحقيق ما لا تحققه السياسة؛ لا بد أن تكون حاضرة في المشهد الخارجي.
لقد جاء الوقت، مع وجود وزارة الثقافة التي وضعت لبنات متينة ومشاركات داخلية وخارجية ناجحة؛ لأن تتسلم حقيبة الملف الثقافي في الملحقيات الثقافية، وتركز وزارة التعليم على الشأن التعليمي في الخارج، ليصبح التنسيق بين الملحقية الثقافية والملحقية التعليمية أو المكتب التعليمي عملاً تشاركياً تعاونياً بجودة عالية وعلى مستوى عالٍ من المهارات والمعارف، كل في تخصصه، وفق إستراتيجيات وخطط واضحة المعالم.
إن المهتمين بالجانب الثقافي على قناعة تامة أن نجاحات وإبداعات وزارة الثقافة في الداخل، خصوصاً بوجود 11 هيئة؛ سوف يقابله نجاح آخر في الخارج، مما يدعم تولي الوزارة زمام أمور الملحقيات الثقافية في الخارج.