مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

العربية وأخواتها الساميّات

اللغة ظاهرة إنسانية، يختص بها الإنسان دون سائر الكائنات الأخرى، وهي وسيلة التعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس والانفعالات، مثلما هي وسيلةٌ من وسائل الاتصال والتفاهم والتلاقي مع الآخرين.
وقد ذهب علماء اللغة ودارسوها مذاهب شتى في تفسير أصل اللغة وطبيعتها فقيل: إنّها ممّا تواضع عليه الناس، ما يعني أنّها ذات خاصية اجتماعية تطوّرية، وقال آخرون: إنّها ذات طبيعة إلهامية توقيفية، إلى جانب آراء أخرى حاول أصحابها التقرّيب بين الرؤيتين السابقتين وإضافة تفسيرات أخرى إليهما.
ويقدر علماء اللغة أنّ عدد لغات العالم يتراوح بين 2500 - 3500 لغة ولهجة، بينها ما يتكلم به المليارات والملايين من الناس، ومنها ما لا يتكلم به سوى مئات أو بضع عشرات، بعضها اندثر وزال من الوجود، وبعضٌ منها ما يزال حيّاً واسع الانتشار، ووراء نشوء لغة ما، وانتشارها أو اندثارها عوامل اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وحضارية، ودينية... إلخ.

ولما كانت اللغات على هذا القدر من التعدُّد والتنوُّع والتداول والانتشار؛ فقد صنفها العلماء للتمييز فيما بينها في مجموعاتٍ وزمر، انطلاقاً من اعتبارات النظر في بنية تلك اللغات وطبيعة تركيبها، وعلاقات تقاربها واختلافها، ومن ذلك تصنيف اللغوي (شليغل)، إذ وزعّ اللغات إلى ثلاث زمر هي:
-1 زمرة اللغات المتصرّفة أو التحليلية، التي تتغير معاني مفرداتها بتغير أبنيتها، كالعربية وجميع اللهجات السامية، واللغات الهنديات - الأوربيات.
-2 زمرة الألسن اللصقية أو الوصلية: وهي لغاتٌ لا يتغير معناها بالتصريف، بل بإلصاق أحرف تسمى زوائد بأول الكلمة أو بآخرها، ومنها اليابانية على سبيل المثال.
-3 زمرة الألسن العازلة: وهي مما تلتزم مفرداتها بصورةٍ واحدة، ولا تقبل التصريف أو الإلصاق كاللغة الصينية على وجه التحديد.
أما عالم اللغة (ماكس مولر) فقد قسم اللغات إلى ثلاث أسر، على أساس الاتفاق والاختلاف في الكلمات والنحو والتصريف، أو على أساس العرق والجنس الذي يجمع بين الناطقين بها، وتشمل عنده:
-1 أسرة الألسن الهندية - الأوربية: كالفارسية على سبيل المثال واللغات الأوروبية المعروفة.
-2 الأسرة الحامية - السامية: كالعربية وأخواتها الساميات.
-3 الأسرة الطورانية: وتشمل الصينية واليابانية والتركية.. وسواها.
اللغة السامية
في ضوء ذلك نعود إلى عنوان بحثنا حول اللغة السامية، فنتبين أنها من زمرة اللغات المتصرّفة والتحليلية، ويرجع أصل تسميتها وإطلاق هذا المصطلح عليها إلى العالم النمساوي (شلوزر)، عام 1871م، بارتكازه إلى خلفية جغرافيةٍ - مكانية ومرجعيةٍ توراتية في ذكر أبناء نوح (حام - سام - يافث) فقال: (من المتوسط إلى الفرات، ومن بلاد ما بين النهرين إلى شبه الجزيرة العربية، تسود كما هو معروف لغةٌ واحدة، وعليه فالسوريون والبابليون والعبريون، والعرب كانوا أمة واحدة، والفينيقيون الحاميون أيضاً يتكلمون بهذه اللغة التي أود أن أدعوها سامية).
وبالرغم مما شاب نظرية شلوزر من بعض المغالطات، فقد سار على نهجه وقلده في مذهبه باحثون، منهم: (إسرائيل ويلفينسون) في كتابه (اللغات السامية)، (رينان) في كتابه (تاريخ اللغات السامية).. وسواهم من الباحثين الآخرين الذين أجمعوا على أن اللغات السامية تتحدر من لغةٍ قديمةٍ افترضوا أنها السامية الأم التي تشكل إحدى ظواهر وخصائص العنصر السامي، لكنهم لم يجدوا هذه اللغة بالرغم من القرائن الدالة عليها والتي تثبت وجودها واستعمالها في مرحلةٍ تاريخيةٍ ما.
وقد لاحظ علماء اللغات الذين أخذوا بنظرية شلوزر، أن ثمة صفات مشتركة من النظم السياسية، والتقاليد الاجتماعية والخصائص اللغوية، تطبّع بعناصرها مجموعة الشعوب التي كوّنت سكان الشرق الأدنى، منذ أن عُرف الماضي التاريخي لهذه المنطقة التي تشمل بلاد الرافدين، وسورية، وفلسطين، وسيناء، وشبه الجزيرة العربية، واليمن، والحبشة، إذ تعدّ هذه المنطقة (الموطن الأساس للشعوب السامية التي أطلق اسمها على لغات الناطقين بها بدلاً من مصطلح اللغات الشرقية أو الآسيوية).
ومما أثار اهتمام أولئك العلماء أنَّ أوجه الشبه والتقارب كانت جليةً بين تلك اللغات، ما دفع إلى القول: إنها تؤلف عائلةً واحدة، باعتبار أنها تشترك أو تلتقي في أصول كلماتها، وجذورها وأفعالها وتصاريفها وضمائرها، وهو ما لخصه لنا المستشرق (سبتينو موسكاني) بقوله: (بين اللغات السامية من التشابه الكبير في الأصوات والصيغ والتراكيب والمفردات ما لا يمكن معه أنّ ننسب تقاربها إلى حدوث اقتباسات فيما بينها، وأن لا سبيل إلى تفسير هذا التقارب إلا بافتراض أصل مشترك لها، هو الأصل السامي).
وعلى حد رأي جرجي زيدان أنَّ اللغة السامية الأم التي تشعّبت منها اللغات السامية وتفرّعت؛ تكوّنت أفعالها وأسماؤها وحروفها واشتقاقاتها ومزيداتها قبل أن يتشتت أهلها، أو ينزحوا إلى فينيقية وجزيرة العرب، وما بين النهرين، فاختلفت لغة كل قوم منهم بعد ذلك النزوح باختلاف أحوالهم وأصقاعهم، فتولدت منها اللغات السامية المعروفة.
زمر اللغات السامية
وعندما نظر علماء اللغة من عربٍ ومستشرقين في اللغات السامية، وتعدّد لهجاتها ومسمياتها؛ رؤوا تصنيفها في زمرٍ على أسس جغرافية أو مجموعات بشرية، فاختلفت مذاهبهم في ذلك، وتعدّدت آراؤهم، سواء فيما يتصل بتحديد اللغة السامية الأم، أو بأقرب اللغات السامية منها، أو فيما يتصل بتوزع تلك اللغات، وتفرّع كل واحدةٍ منها إلى لهجاتٍ ثانوية، ومن خلال تقاطع تلك الآراء يمكن تصنيف اللغات أو اللهجات السامية إلى المجموعات الآتية:
-1 مجموعة اللغة الأكادية
وتعدّ الأكادية أقدم لغة سامية محفوظة بالخط المسماري السومري، وهي لغة الساميين الذين سكنوا أرض الرافدين، وجاوروا السومريين، وتضم في زمرتها اللهجات البابلية والكلدانية والآشورية، وقد انقسمت هذه اللغة في مراحل تطورها إلى لهجتين اثنتين هما: الآشورية في الشمال، والبابلية في الجنوب.
وغدت الأكادية لغةً عالمية في عهد سرغون الأكادي سنة 2350 ق.م، بعد أن أزاحت اللغة السومرية، وحلّت محلها في المخاطبة والتداول، والمراسلات السياسية، لكن الآرامية أخذت تحل محل الأكادية مع تأسيس الإمبراطورية البابلية الحديثة، أي الكلدانية 539 ق.م، ومع بدء العصور المسيحية انقرضت البابلية الأكادية، وحلّت مكانها اللغة الآرامية.
ويلحظ اللغويون تقارباً جلياً بين الأكادية والعربية، سواء في صيغ الأفعال أو الأسماء، أو في المفردات والأصوات، كما تظهر المقارنة الآتية: كلبم - كلبٌ، فالميم في الأكادية تقابل تنوين المفرد النكرة في العربية، وكلبو - كلابٌ، فالواو في الأكادية علامة جمع، كما هي في جمع المذكر السالم في العربية، كلبتم - كلبةٌ، اشتراك العربية والأكادية في وجود تاء التأنيث. أما في الأسماء المفردة، فنجد تقارباً في الجذور والأصول كما في المفردات الآتية: باب - (باب) - بحيروم (بحر) - بيتو (بيت) - ترجمانو (ترجمان) - جصو (جص) - دورو (دار) - فرنو (فرن) - نجار - نفطو (نفط) - يومو (يوم) - نيسانو (نيسان) - أيارو (أيار).
وقد تركت الأكادية بالنقش المسماري تراثاً غنياً من الأساطير والمثيولوجيا والحكم والقصص والملاحم والأمثال، أشهرها: ملحمة الطوفان وملحمة كلكامش.. وسواهما.
-2 مجموعة اللغة الكنعانية
وهي لغة الساحل السوري ولبنان وفلسطين وأجزاء من الأردن، وتفرعت من هذه المجموعة اللهجات الأوغاريتية والفينيقية والعبرية والعمونية والموآبية.
ومن أوغاريت انبثقت أول أبجدية في العالم هي الأبجدية الأوغاريتية التي كانت كما يرجح العلماء متأثرة بالخط السينائي نسبةً إلى سيناء الذي قد تعود جذوره القديمة إلى خطوط يمنية قديمة.
-3 مجموعة اللغة الآرامية
وكانت لغة الشعب الآرامي الذي سكن سورية الداخلية في الألف الثانية قبل الميلاد، ثم امتد نفوذه إلى بلاد ما بين النهرين شرقاً، وقد أصبحت الآرامية لغةً عالمية بعد أن قضت على اللغة الأكادية وأزاحتها من الاستعمال والتداول.
وللآرامية لهجات متعدّدة، منها: اللهجة السريانية التي يقال إنها لهجة مدينة الرُّها، على أن هناك من يفرق بين الآرامية والسريانية، والصواب أنهما لفظتان مترادفتان تدل كل منهما على الأخرى، بحيث يمكن القول: (إنّ السريانية تطورٌ حصل في الآرامية، مع الإقرار أنّ كلمة أرامية أقدم عهداً من مرادفتها السريانية)، وكان وراء هذا التحوّل في المصطلح والتسمية عوامل دينية، بعد أن تنصر قسمٌ من الآراميين، واعتنقوا المسيحية، ورغبوا في التخلي عن مصطلح الآرامية لدلالته على المرحلة الوثنية، أي ما قبل المسيحية.
وللآرامية تراثٌ غزير في العلوم والمعارف والآداب، ضاع أكثره، واندثر للأسباب السابقة، أما وريثتها السريانية، فقد أصبحت لغة العلم والحضارة والفلسفة والطب، وإليها نقل السريان تراث اليونان في الطب والفلسفة، ومنها ترجموا ذلك إلى العربية، وفي السريانية 22 حرفاً وتلتقي في قواعدها مع قواعد اللغة العربية، ثم أنها انقسمت إلى لهجتين: السريانية الشرقية والسريانية الغربية.
-4 مجموعة اللغة العربية
وتصنف باختصار في زمرتين كبيرتين هما: لغة عرب الجنوب، ولغة عرب الشمال.
ويُراد بلغة عرب الجنوب بلاد اليمن، ومن لهجاتها سوى ما ضاع واندثر: المعينية - القتبانية - السبئية - الحميرية، التي تتصل بها اللغة الجعزية والحبشية، وهي لغة العرب الساميين الذين عبروا باب المندب، وسكنوا الحبشة، وكانت لغةً واحدة في العصور القديمة، ثم انقسمت إلى لهجات اختلف بعضها عن بعض وتمايز على غرار ما حصل بين اللهجات السامية الأخرى.
أما لغة عرب الشمال، فقد عمّت شمال الجزيرة العربية والأردن والبادية السورية، وإليها تنتمي اللهجات العربية القديمة للثموديين واللحيانين والصفويين والأنباط والتدمريين.
وقد أطلق على هذه المجموعة لاحقاً اسم اللغة العدنانية، أو المضرية، أو النزارية، ثمّ إنّ هذه الفروع اللهجوية التقت في بوتقة واحدة، وانصهرت في لغة قريش التي نزل بها القرآن وصانها وحفظها من الضياع.
ويرى بعض اللغويين، أنّ لغة أهل اليمن كانت أقرب إلى الأكادية، بينما كانت لغة أهل الشمال أقرب إلى الآرامية.
وإذا كنا نجد في لغات الساميين ولغة أهل الشمال كثيراً من الفروقات اللهجية التي تمثل لهجات قبائلها إلا أن الاختلاف بين تلك اللهجات ما هو إلا اختلافات يسيرة تتصل بالنطق والحركات وبعض علامات التعريف والتنوين والتنكير، لكنها تلتقي جميعاً كأغصان تتفرع من جذعٍ واحد وشجرة واحدة، وهو ما يؤكد تقاربها ووحدتها اللغوية.
سمات اللغات السامية ومظاهر تقاربها
والواقع إنَّ الاختلافات اليسيرة التي أشرنا إليها تكاد لا تذكر أمام وجوه التلاقي ومظاهر التقارب بين اللغات أو اللهجات السامية، سواءٌ فيما يتصل ببنية الأفعال، وتراكيب الجمل، وصيغ الألفاظ، والتصاريف، والأصوات، والأعداد، والضمائر، وقواعد النحو، والمفردات اللغوية، إذ شكلت هذه العناصر الخصائص العامة والسمات المشتركة بين لغات الساميين بشكل عام أو بين بعضها بشكل خاص، ومن ثم فهذه الظواهر تحيل إلى الأصل المشترك الذي يرجع إلى زمن اتحاد تلك اللغات أو على وجه الدقة سمات اللغة الأم قبل تفرق الساميين، (وتفرق لهجاتهم وتطورها إلى لغات مستقلة لها نواظمها وضوابطها وقواعدها النحوية والصرفية)، وهو مما يتضح من خلال السمات والخصائص الآتية:
-1 ظاهرة الإعراب: وهي سمة اشتركت بها العربية والأكادية والحبشية والأوغاريتية والآرامية، وقد افتقدتها معظم اللغات السامية، بينما ما تزال تحتفظ بها إلى اليوم العربية والحبشية.
-2 ظاهرة التعريف بأل: ونجدها في العربية والأوغاريتية، ويقابلها التعريف بالهاء في العبرية الذي تستخدمه في أول الكلمة، وكذلك في الآرامية والسريانية لكنهما يستخدمان ذلك في آخر الكلمة، أما اللهجات العربية اليمنية، فكان بعضها يستخدم التعريف بال وبعضٌ آخر يستخدم التعريف بالهاء.
-3 صيغ الفعل: وهي مما تشترك به اللغات السامية، إذ تقوم هذه الصيغ على جذر ثلاثي يعبر عن المعنى الأساسي للكلمة، ثم تتنوّع معانيها باستخدام الحركات أو الإضافات واللواصق في أول الكلمة أو وسطها وآخرها، كقولنا: شَرِبَ وشُرْب وشارب ومشروب ومشرب وخرج وأخرج واستخرج وتخارج... ألخ، ويدخل في هذا السياق مفهوم التعدية كظاهرة مشتركة، ولكن أداة التعدية تختلف بين اللغات، فالعربية والسريانية والحبشية تستخدم الهمزة في وزن أفعل للتعدية كقولنا دخل - أدخل، بينما تستخدم الآرامية الهاء لذلك فيقال فعل - هأفعل، وتستخدم بعض لهجات اليمن السين للتعدية فيقال على وزن سفعل، بينما تستخدم الأكادية الشين على وزن شفعل.
-4 ظاهرة الأصل الثنائي: التي تشترك بها معظم اللغات السامية، ومنها اشتق الثلاثي وغير الثلاثي: يد، فم، جو، خد، سن، حصّ، حصحص، صرّ صرصر، سلّ سلسل.
-5 التقارب في استعمال صيغ الضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، وحروف العطف والجر، وأدوات الاستفهام وتذكير العدد وتأنيثه، وصيغ الإفراد والتثنية والجمع، ففي العربية يستخدم (الذي) اسماً موصولاً ويقابله ذو في بعض لهجات اليمن (وإذ) في لغة الحبشة و(د) في اللغة السريانية و (دي) في النبطية، وهذا مما يرد في كثير من اللهجات العامية الدارجة إلى اليوم.
-6 تشترك اللغات السامية في حروف الأبجدية مع اختلاف في عددها وأسمائها وطريقة لفظها، ومعظم حروف الأبجدية في تلك اللغات 22 حرفاً باستثناء العربية 28 حرفاً وذلك بزيادة 6 أحرف هي: ث - خ - ذ - ض - غ - ظ. ومن الضاد الذي تفردت به العربية، حملت اسم لغة الضاد تمييزاً لها عن أخواتها الساميات.
العربية وسماتها
ولما كانت العربية فرعاً من فروع اللغة السامية فقد اشتركت مع أخواتها في كثير من تلك السمات والخصائص، بيد أنها اكتسبت لذاتها سمات وخصائص عرفت بها مما أعطاها مرونةً وحيوية وقدرة على التطوّر والتجديد وزيادة في مفردات قاموسها، وتطوّر دلالاتها وقد تمثلت تلك السمات في الجوانب الآتية:
-1 الإعراب: فالعربية لغة إعرابية مشتقة، وقد حافظت على ظاهرة الإعراب مع الحبشية دون سواهما من اللغات الأخرى.
-2 التّرادف: ويعني وجود عدة ألفاظ للمعنى الواحد كالقول: (الذهب - التبر - العسجد)، (القمح - الحنطة - البر)، وفي العربية نجد 24 اسماً للسنة، و 21 اسماً للنور، و52 اسماً للظلام، و 100 اسم للخمر، ويسري ذلك على الأسماء والصفات والأفعال.
-3 تعدّد المعنى للفظة الواحدة: فمن ذلك ما يدل على معنى واحد أو اثنين أو ثلاثة فأكثر، وقد يصل إلى الستين معنى في لفظة عجوز، و 35 معنى كما في لفظة عين.
-4 تعدّد اللغات في المفردة الواحدة: فيقال في السِقط وهو منقطع الرمل: سِقط - سَقط - سُقط، - ويقال في صفة ريح الشمال: شَمْل - شَمِل ـ شَمَل ـ شُمِل ـ شَمَّل ـ أشمَل ـ الشَّمْل ـ الشَّمَل ـ الشَّمَال ـ الشَّمْأل ـ الشميل ـ الشمول ـ الشومل ـ الشَّمِل.
-5 الأضداد: وهو ما نجده من حيث أنّ بعض الكلمات تحمل معنيين متضادين، ومن ذلك: الجَون يوصف به الأسود والأبيض، والصّريم للدلالة على الليل والصبح، والرّهوة الارتفاع والانحدار، وثَبْ التي تعني في الحميرية والنزارية الجلوس والقفز.
-6 دقة التعبير: ويعبر عن خاصية الإحساس بالفروق اللغوية بين بعض المواقف والحالات والأطوار فمن ذلك: رَمَق - لَمَح - حَدَج - شَفَن - رَنَا - استكفّ - استشفّ، فكلها مما يدل على النظر، ولكن بأوضاع وحالات مختلفة.
-7 لغة المصطلح: وهي خاصيةٌ للعربية، إذ نجد في قاموس استعمال مفرداتها مصطلحات صوفية أو دينية، علمية، إدارية، فلسفية، وهو ما نجده في المعاجم والمصنفات الآتية: التعريفات للجرجاني، والفتوحات لابن عربي، والكليات لأبي البقاء، والكشاف للتهاوني.
سامية أم عربية؟
على هذا الأساس وصفت العربية على أنها لغة إيجاز وإعجاز، وأنها قد نمت وتطورت أكثر من أخواتها الساميات، بعد أن أزاحت الآرامية وحلّت مكانها في القرن السابع الميلادي، فأصبحت (أوسع لغة سامية باقية على وجه الأرض، لذلك فهي اللغة الكبرى التي تمثل المجموعة اللغوية السامية سواءً كانت قديمة أو حديثة، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء والدارسين من عربٍ ومستشرقين بافتراضهم: (أنّ اللهجة التي يتكلم بها أبناء البادية العربية هي أقرب جميع اللهجات السامية إلى اللغة العربية الأصلية)، إن لم تكن هي بحد ذاتها تلك اللغة الأم، التي تفرعت عنها اللهجات السامية، ودليلهم على ذلك كما أشار الدكتور شوقي ضيف أنها انفردت بكلمات ومفردات (لا توجد في أخواتها الساميات، احتفظت بها بينما سقطت من أخواتها)، وبذلك (فقد ضمت شتات اللغات السامية)، وحافظت على الأصل السامي أكثر مما حافظت عليه اللغات السامية الأخرى.
وهذا ما دعا عدداً كبيراً من العلماء الجادين والباحثين المنصفين إلى الاعتراض على مصطلح السامية الذي أطلقه شلوتزر لما شابه من مغالطات علمية مصدرها الرواية التوراتية، إذ جعل الكنعانية لغةً حامية ونحن نعلم أن الكنعانين ساميون خرجوا من الجزيرة العربية، بينما صنف اللغة العيلامية في إطار اللغات السامية، والعيلاميون من زمرة الشعوب الهندوأوربية وكذلك لغتهم، الأمر الذي أدى إلى خلط وتشويه في المصطلحات والمفاهيم.
وفي هذا الصدد يقول الباحث المؤرخ جواد علي: (لقد حان الوقت لاستبدال مصطلح سامي وسامية بعربي وعربية، لأن تلك التسمية تسمية مصطنعة، تقوم على أساس التقارب في اللهجات وعلى أساس فكرة الأنساب الواردة في التوراة، وهي فكرة لا تستند إلى أسس علمية، وإنما قامت على بواعث عواطفية، والمنطق أن نعد السامية عربية لكونها ظهرت في جزيرة العرب، وأن من الواجب علينا الآن أن نستبدل مصطلح السامية بمصطلح العربية، فنكون بذلك قد لاحظنا عاملين مهمين: عامل القرابة اللغوية والأصل اللغوي وعامل وحدة المكان)، وهو ما أشار إليه موسكاني وسواه من الباحثين عندما قال: (إنّ الجزيرة العربية وسورية وفلسطين وأرض الرافدين هي الموطن التاريخي للشعوب السامية التي تكلمت بتلك اللغات أو اللهجات)، في ضوء ذلك تبدو الدعوة إلى طي مصطلح اللغة السامية، واستبداله بمصطلح اللغة العربية أمراً منطقياً تؤيده الدلائل والقرائن والبراهين اللغوية والتاريخية والجغرافية.
والواقع إنّ مثل هذا المطلب يعدُّ تحريراً للفكر والحقائق التي شوهتها أباطيل بعض الدارسين ومغالطاتهم خلال فترةٍ طويلة، كان من نتائجها خلق حالة من الشتات والضياع والاختلاف بين أبناء الأرومة الواحدة التي نشأت في شبه الجزيرة العربية، وانطلقت منها إلى الأصقاع المختلفة، وإن استعمال مصطلح اللغة العربية وإن جاء متأخراً تاريخياً على اللغات السامية، فإنه الأقرب إلى الحقيقة والأكثر تعبيراً عنها، وليس في ذلك ضير يمس بتلك اللغات لمن أراد أن يتحرى الحقيقة ويأخذ بأسبابها ومناهجها، وهذه مسؤوليةٌ تقع على عاتق الجامعات والأكاديميات العلمية ومجامع اللغة العربية.


 

المصادر والمراجع:
تاريخ الأدب العربي: حنا الفاخوري.
تاريخ العرب قبل الإسلام: د. جواد علي، المجمع العلمي العراقي، بغداد 1960.
تاريخ اللغة العربية: جرجي زيدان، دار الحداثة، ط1 1980.
الحضارات السامية القديمة: سبتينو موسكاني، ترجمة السيد يعقوب بكر، دار الرقي، ط1، بيروت 1986.
دول وكيانات عربية: د. خلف الجراد، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2021.
سومر وأكاد: د. وديع بشور، دمشق 1981.
العصر الجاهلي: شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، ط5، القاهرة 1971.
لغة حلب السريانية: جرجس شلحت، المطبعة المارونية، ط3.
اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية: إغناطيوس أفرام الأول برصوم، مطبعة السلامة، حمص، 1943.
من الساميين إلى العرب: الشيخ وهيب الخازن، دار مكتبة الحياة، بيروت.
الوجيز في فقه اللغة: محمد الأنطاكي، مكتبة دار الشرق، ط 2، بيروت 1969.

ذو صلة