مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

الحصان العربى.. وليد الصحراء ونتاجها الطبيعي

للخيل العربية تاريخ حافل في الجزيرة العربية منذ العصور القديمة وانتشرت في أنحاء العالم وحازت على إعجاب وتقدير الكثير من محبي الخيل واستعملت في أنشطة كثيرة لخدمة الإنسانية. والجزيرة العربية هي موطن الخيل العربية الأصيلة حيث ورد في جميع المخطوطات القديمة والتاريخية ما يؤكد أن شبه الجزيرة العربية ومنطقة بلاد الشام هي موطن الخيل العربية، ومن هذه المنطقة انتقلت الخيل العربية إلى أنحاء العالم مع الفاتحين عند نشر الرسالة الإسلامية في القرن السابع الميلادي وبواسطة المستشرقين الذين حضروا إلى المنطقة العربية وكذلك إبان حكم الدولة العثمانية والتجار.

إن الإعجاب بالخيل العربية لدى بعض الملوك والأمراء في أوروبا في القرن السابع عشر والثامن عشر أدى إلى إرسال بعثات للبحث عن الخيل العربية وانتقاء الأفضل من القبائل في نجد والحجاز مثل ما قام به ملوك بولندا في تلك الحقبة من الزمن لاقتناء أفضل الخيل العربية ونقلها لتربى في مزارع خاصة للإكثار منها وتحسين سلالتها والاستفادة منها في تطوير بعض سلالات الخيل الأخرى، حيث أثرت في أهم سلالات الخيل المهجنة للسباقات في بريطانيا، وبعضها تم المحافظة عليه كسلالات عربية أصيلة لم تهجن مع سلالات أخرى وتم التركيز على صفاتها ووصلت إلى ما هي عليه الآن من جمال ومكانة عالية، وحظيت باهتمام الفنانين والمبدعين، فأغلب متاحف العالم تحتوي على قطع ولوحات نادرة لأعمال فنية تتعلق بالخيل العربية. لقد كان الاهتمام والرغبة في اقتنائها وتحمل المشاق للحصول على الخيل العربية له أسباب عديدة وأهمها هو قوة هذه الخيل في الحروب وقدرتها على التحمل والخصال الحميدة في طباعها وجمالها الجذاب واستعمالها في أنشطة كثيرة أخرى. ويسجل التاريخ الاهتمام الكبير بالخيل العربية في المملكة وأهميتها من عدة عوامل، فإن الملك عبدالعزيز يرحمه الله هو مؤسس المملكة، وهو آخر موحد وفارس، ووحد بلاداً وجمعها على صهوات الخيل العربية في التاريخ الحديث. وبها مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة الذي يحمل اسم المؤسس للدولة التي هي موطن الخيل العربية الأصيلة، ويحتوي على البقية الأصيلة من خيل المؤسس ومجموعة من الخيل العربية الأصيلة من سلالات أخرى لاستمرار الإنتاج وتحسين الصفات مع استمرار المحافظة على الخيل السعودية القديمة التي ترجع إلى الأنساب المعروفة بالجزيرة العربية، ويهتم المركز بالخيل العربية على مستوى المملكة، ويمثل المملكة في المنظمات الدولية، ويطبق المعايير الدولية للرعاية والتسجيل والتنقلات، ويقع مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة في ديراب.
نشأة الحصان العربي
اختلف المؤرخون ومربو الحصان العربي على نشأة الحصان من حيث الزمان والمكان ولكن من المتفق عليه أن الحصان العربي هو أقدم الخيول الأصيلة.
يعتقد البعض أن الحصان العربي نشأ في العصر الحجري، وقد ذكر براون أنه توجد في كهوف كومباريل بجنوب فرنسا رسومات لمئات من الخيول الصغيرة الحجم والتي هجنت بسلالات من الخيول الثقيلة، وأضاف أنه في جميع هذه الرسومات تظهر مميزات الحصان العربي واضحة تماماً.
وهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن شبه الجزيرة العربية بوضعها الجغرافي هي المنتج الرئيس للحصان العربي في حالته النقية وأنه قد انتقل إلى البلاد الأخرى المجاورة ومنها إلى أنحاء العالم. وقد شوهد الكثير من الصور والرسومات والنقوش في آثار المصريين القدماء (الفراعنة) والتي تثبت تسجيل الحصان العربي بمميزاته.
إن الدراسات الحديثة تؤكد أن الحصان العربي هو وليد الصحراء ونتاجها الطبيعي، وقد خضع في الصحراء لعملية انتقاء طبيعية صارمة فلم يصمد أمام قسوة الطبيعة إلا الأجود والأقوى والأصلح من الخيول حتى إن بعض الخبراء بالخيل يرى أن كل سلالة كريمة من الخيل لا تضمن لنفسها البقاء دون اختلاطها بالسلالة العربية الأصيلة وللاعتراف بالحصان على أنه عربي أصيل فلا بد أن يكون منحدراً مباشرة من الصحراء العربية حيث يحرص العرب على أنساب الخيل فيعرفون كل فرس ومشجرات آبائها فهم لا يقفون عند الآباء فحسب بل يحرصون على حفظ نسب الخيل من الأمهات لأنها تحمل الصفات النقية الأصيلة ومن اهتمام العرب بالخيل أنهم كرسوا لها بعض مؤلفاتهم مثل أنساب الخيل) لابن الكلبي و(أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها) للغندجاني و(كتاب الخيل) للأصمعي وغيرها.
وقد اشتهرت كثير من الخيول بنسبتها إلى الجد الأكبر وبقيت أنسابها متوارثة في مكان نشأتها في جزيرة العرب فوق هضاب نجد ومنطقة عسير فهذه المناطق كانت ومازالت من أخصب المناطق قوة وأكثرها ملاءمة لتربية الجياد الأصيلة وقد أكدت الكشوف الأثرية أن الحصان العربي أصيل في شبه جزيرة العرب ولم يفد إليها من خارجها.
ولا تزال أرض المملكة العربية السعودية تكشف للعالم أدلة أثرية جديدة تؤكد أن مسيرة الحضارة الإنسانية لا تكتمل قراءتها إلا بالاطلاع على ما تختزنه أرض المملكة من شواهد أثرية مهمة.
ومن خلال حضارة المقر نقف اليوم أمام اكتشاف أثري مهم يأتي في إطار برنامج عمل الهيئة العامة للسياحة والآثار-آنذاك- لإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية.
ولا شك أن هذا الكشف يمثل نقلة نوعية في معرفتنا بمسيرة الحضارة الإنسانية، وشاهداً واضحاً على المساهمة الفاعلة لإنسان الجزيرة العربية في النهضة الثقافية التي شهدتها الإنسانية إبان فترة العصر الحجري الحديث. وفرصة حقيقية أمام الباحثين والمختصين للتعرف على حقائق علمية جديدة من خلال البحوث والدراسات الميدانية حول أقدم المواقع التي عرفتها البشرية لاستئناس الخيل في فترة يعود تاريخها إلى تسعة آلاف سنة.
ويعد وجود تماثيل كبيرة الحجم للخيل في هذا الموقع مقترنة بمواد أثرية من العصر الحجري الحديث يرجع تاريخها إلى 9000 سنة قبل الوقت الحاضر اكتشافاً أثرياً مهماً على المستوى العالمي، حيث إن آخر الدراسات حول استئناس الخيل تشير إلى حدوث هذا الاستئناس لأول مرة في أواسط آسيا (كازاخستان) منذ 550 سنة قبل الوقت الحاضر. وهذا الاكتشاف يؤكد أن استئناس الخيل تم على الأراضي السعودية في قلب الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ بزمن طويل.
يقارب طول أحد تماثيل الخيل التي وجدت بالموقع 100سم، وهو يمثل الرقبة والصدر. ولم يعثر من قبل على تماثيل حيوانات بهذا الحجم في أي موقع آخر في العالم من هذه الفترة نفسها، وما عثر في تركيا والأردن وسوريا لا يعدو أن يكون تماثيل صغيرة الحجم ومن فترة متأخرة عن هذا التاريخ، وليست للخيل.
يحمل تمثال الخيل الكبير الذي وجد بالموقع ملامح الخيل العربية الأصيلة ويبدو ذلك واضحاً في طول الرقبة وشكل الرأس. يوجد على رأس تمثال الخيل السابق الذكر شكل واضح للجام يلتف على رأس الخيل، مما يشكل دليلاً قاطعاً على استئناس الخيل من قبل سكان هذا الموقع في تلك الفترة المبكرة.
الخيل العربية من أجمل الخيل في العالم قاطبة لجمالها ورشاقتها وألوانها الساحرة حيث تمتاز بتوازنها وتناسق جسمها الطبيعي، فرأسها الصغير نسبياً والمتناسق مع الرقبة يدل على الرشاقة والأصالة، ومما يزيدها جمالاً تقعر قصبة الأنف قليلاً وجبهة عريضة تباعد بين العينين السوداوين البراقتين المستديرتين، ويعتلي رأسها أذنان قصيرتان متجانستان نهايتهما حادة وتتحركان بسرعة وتجانس غريب، ولها رقبة طويلة متناسقة مع بقية أجزاء الجسم تملؤها العضلات، أما ظهرها فهو قصير مكتنز العضلات، والذيل مرتفع بشكل واضح، ناهيك عن سرعتها الفائقة ويقظتها الدائمة وقدرتها الهائلة على الصبر وتحمل الجوع والعطش والتأقلم مع الظروف الصحراوية القاسية، كما يشتهر الحصان العربي بذكائه ونبله وإخلاصه وشدة وفائه لصاحبه، ونظراً لهذه الصفات الحميدة علاوة على ما يتمتع به من نقاوة السلالة استخدم الحصان العربي في تحسين أغلب سلالات الخيل العالمية مما أكسبها شهرة واسعة وجمالاً منقطع النظير، وقد عرف العرب الخيل منذ القدم فاعتنوا بها وأكرموها وحافظوا على عراقة أنسابها ونقاء سلالاتها من العيوب والشوائب، ويرجح أن تكون الخيل العربية ترجع في أصولها إلى خمسة جياد أصيلة كان لها شأن كبير في جزيرة العرب منذ زمن بعيد وهي:
- كحيلة: وجاء اسمها من السواد المحيط بالعينين اللتين تبدوان كالمكحولتين.
- عبية: وجاء اسمها من تشوالها وحفظها لعباءة راكبها على ذيلها أثناء الجري.
- دهمة: وجاء اسمها من لونها القاتم المائل للسواد.
- شويمة: وجاء اسمها من الشامات الموجودة على جسمها.
- صقلاوية: وجاء اسمها من طريقة رفع حوافرها في الهواء عند الجري أو من صقالة شعرها.
كان للفتوحات الإسلامية دور كبير في انتشار الخيل العربية شرقاً وغرباً والتعرف على ميزاتها من قوة وسرعة فائقة وجمال وتناسق بين أعضائها، عندما وصلت هذه الفتوحات إلى العراق والشام وفارس ومصر ثم إلى إسبانيا وفرنسا وتركيا والصين. وكذلك أثناء الحروب الصليبية التي امتدت من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر الميلادي، نقل ملوك وأمراء وجنود الفرنجة الخيل العربية معهم من ربوع الشام ومصر إلى أوطانهم الأصلية. واحتلت الخيل عند العرب مكانة خاصة، وزاد الاهتمام بها بعد ظهور الإسلام، وفيما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف ما يبين فضلها ومكانتها عند الله ورسوله وعند العرب والمسلمين.
لقد كان للخيل في العصور التاريخية المختلفة دور أساسي في الحروب وغيرها. وتؤكد ذلك المكتشفات الأثرية من النقوش والرسوم والوثائق التي تعود إلى حضارات بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي النيل وحضارة دلمون والحضارة اليونانية والحضارة الرومانية. وحرب (داحس والغبراء) وكان للخيل العربية دور كبير ومميز أثناء الفتوحات العربية الإسلامية، فمنذ بداية الفتح الإسلامي وفي عصر الخلفاء، إذ حملت راية الإسلام إلى ربوع المعمورة، وكانت الخيل من أهم تجهيزات الجيوش المتجهة للفتح شرقاً وغرباً.
انتشر الحصان الشرقي عموماً والعربي خصوصاً في أوروبا عبر طريقين: أولهما جنوبي انطلاقاً من إسبانيا حيث وطد المسلمون سلطتهم هناك طوال ثمانية قرون، وثانيهما شرقي عبدته الجيوش العثمانية المنطلقة نحو البلقان. وازدادت معرفة الأوروبيين بالحصان العربي وتقديرهم لمزاياه الفريدة بفعل الحروب الصليبية التي كان من آثارها انتقال أعداد كبيرة من الخيول الشرقية إلى أوروبا. ومنذ احتكاك الأوروبيين بالحصان العربي الأصيل استمر انتقال هذا الأخير إلى البلدان الأوروبية بشكل فردي، حتى شعر الأوروبيون بأهمية هذا الحصان وقيمته في الحروب الوسطى، وازداد هذا الاهتمام في القرن التاسع عشر، فتوالت فيه البعثات إلى البلاد العربية لجلبها وتربيتها في أوروبا.
أوصاف الجواد العربي الأصيل
سوف أستعرض أوصاف جميع أعضاء الجواد مبيناً المحاسن والعيوب ومشيراً إلى دلالاتها وعلاقتها بالجمال والقوة وسرعة الجري.
ورأس الجواد من أهم أعضاء جسمه وهو تاج المحاسن، ومن تركيبه يستدل على نجابته وعتقه ونشاطه وأخلاقه. ويستحب في الجواد عظم الرأس وتناسبه مع الجسم ورقة جلده وتجرده من اللحم ورحابة الجبهة وسعة الشدق. فجمال الجواد برأسه وقوته بظهره وقوائمه، وأهم الأجزاء التي تظهر جمال الرأس:
الأذنان، العينان، الجبهة، الخدان، الأنف، الفم، الناصية، شعر العرف، العنق، الصدر، المنكب، الأطراف، الكتفان، العضد، الركبة، الذراع، الرمانة، الرسغ، الحافر، الجذع.
ويتألف الجذع من جملة أقسام مهمة تبتدئ من الكتفين وتنتهي بأصل الذيل.
وهذه الأقسام هي: الغارب والظهر والصدر والإبط والمحزم والكفل.

ذو صلة