يضم المتحف الأثري قطعاً أثرية كأنها شفرات تاريخية تحمل في معانيها الثقافية معتقدات وممارسات قد تكون قيمتها لها أهمية في التاريخ، أو ميزة فنية، أو ارتباط بالعلوم، أو رمز ديني وروحي... إلخ. فمتى وأينما ظهرت؛ يبقى الاحتفاظ بهذه القطع الأثرية في حالة جيدة أمر مهم، فمنها يستطيع الإنسان استحضار الماضي إلى الحاضر، وفهم كيف ومن أين تشكلت هويته.
تواجه القطع الأثرية خطر التلوث والتآكل والتعرض للشوائب الدقيقة كالغبار، فيتأثر جمال هذه القطع، وتُعرقل آلية استخراج المعلومات منها. وكحلٍّ لهذه المشكلة، كان على علماء الآثار والمُختصين بالعناية بهذه القطع تنظيفها بطرق تزيل الملوثات والشوائب من سطحها بدون إفسادها. وبفضل اجتهادهم استطاعوا ابتكار طرق عديدة لتنظيف القطع الأثرية، فهناك التنظيف الميكانيكي، والتنظيف الكيميائي، والتنظيف بالليزر، والتنظيف بالبلازما، ولكل طريقة تنظيف قصة تقنية مُفصلة، ندخل في عمق إحداها وهي قصة تنظيف القطع الأثرية بالبلازما.
البلازما هي الحالة الرابعة من حالات المادة الصلبة والسائلة والغازية، ومع أنها حالة مختلفة عن حالة المادة الغازية الاعتيادية، إلا أنها حالة غازية أيضاً! تتميز البلازما عن الحالة الغازية الاعتيادية بأنها غاز مشحون كهربائياً، أي يحتوي على جسيمات مشحونة، كالإلكترونات الحرة والأيونات، تحدث بينهم تفاعلات كهربائية، بخلاف حالة المادة الغازية الاعتيادية التي تحتوي على ذرات مستقرة بدون حدوث أي نوع من التفاعلات بينهم. البرق، والسديم، والوهج الشمسي، والشفق القطبي، والغلاف الأيوني الذي يحدث فيه الشفق القطبي، وغيرها من الظواهر الطبيعية البرّاقة كلها تُصنف تحت حالة البلازما.
عندما يضع علماء الآثار والمُختصون القطعة الأثرية في جهاز يعمل بتقنيات البلازما، يقوم الغاز المشحون بدعك سطح القطعة الأثرية بلطف، فتبدأ التفاعلات بين الشوائب الموجودة على سطح القطعة الأثرية والغاز المشحون بإحدى ثلاث عمليات، وهي التسخين والرش والنقش.
عملية التسخين بالبلازما تتم بفضل الإلكترونات والأيونات التي تزيل الشوائب الملتصقة فيزيائياً على السطح، وتحدث عملية الرش عندما تصطدم أيونات الغاز بالذرات الموجودة على سطح القطعة الأثرية، فتنفصل تلك الذرات عن السطح لأن طاقة الأيونات أعلى من طاقة ارتباط الذرات بالسطح، وتعتمد هذه العملية على طبيعة نوع مادة سطح القطعة الأثرية ونوع الشوائب الملتصقة عليها. أما عملية النقش فتحدث بتفاعل الغاز المشحون كيميائياً مع سطح القطعة الأثرية، ويكون اختيار الغاز المستخدم في هذه العملية اعتماداً على مدى استقراره وانتشاره على سطح القطعة الأثرية.
تحظى تقنية تنظيف القطع الأثرية بالبلازما بسمعة جيدة بالرغم من أنها تقنية جديدة، فهي تقنية صديقة للبيئة، وسهلة ورخيصة، وآمنة على الإنسان أثناء استخدامها، كما أنها تقنية لطيفة لا تحطم القطع الأثرية كالورق. وكنقطة امتياز لها عن بقية الطرق تستطيع هذه التقنية تنظيف الأوساخ غير المرئية، وبقع الصدأ الدقيقة، والطبقات الخفيفة من الغبار، والشوائب التي تخلفها بعض طرق التنظيف الأخرى.
لن يكون الأمر غريباً الآن إن شاهدت قطعة أثرية قديمة اُستخرجت من تحت التراب أو تعرضت لملوثات خارجية كالماء والهواء؛ نظيفة وتبدو بحالة جيدة نوعاً ما في المتاحف، فالذكاء البشري استطاع تفادي فقدان هذه القطع الثمينة وحمايتها وفك أسرارها التاريخية المُشفرة.
المصادر:
1-
2-
3-