الكمأة أو الفقع أو بنت الرعد أو الترفاس أو العبلاج، تنمو بشكل بري طبيعي في البوادي والصحارى العربية. وهناك رحلات وجولات في البوادي للحصول عليها، ولها فوائد غذائية وصحية وعلاجية عالية تجعلها في مقدمة الفطريات.
مع بدايات ظهور نسائم فصل الربيع في البوادي العربية، وتحديداً مع أواخر شهر يناير وبدايات شهر فبراير من كل عام؛ تنبعث من بين رمال البوادي والصحارى وما بين صخورها مادة غذائية تنتمي لفصيلة الفطريات المفيدة، ويُطلق عليها الكمأة أو الفقع (الفكع)، حيث تنبت بشكل طبيعي ودون تدخل الإنسان فيها، كحال العديد من النباتات البرية التي تظهر في فصول السنة المختلفة، وبخاصة في فصل الربيع بدون استزراع.
وكما هو معروف فإن الكمأة لا تعطي إنتاجاً وفيراً إلا في السنوات المطيرة التي تهطل فيها أمطار غزيرة مع رعد وبرق، حيث تظهر الكمأة عادة مع أوائل فصل الربيع أو قبله بأسابيع قليلة بعد الأمطار والرعد والبرق، و(تفقع) بين تشققات التربة الرملية، ولذلك يسميها سكّان الخليج العربي بـ(الفقع)، في حين يسميها سكّان بلاد الشام بـ(الكمي)، وفي السودان يطلقون عليها اسم (نبات الرعد أو بنت الرعد أو العبلاج)، وفي بلاد المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) يسمونها (الترفاس)، أما في أوروبا، حيث تدخل في وجبات غذائية عديدة، خصوصاً في المطبخ الفرنسي؛ فيسمونها (تروفيل: Truffle).
ومن الناحية العلمية والغذائية فإن خصوصية الكمأة تأتي من كونها لا بذور ولا جذور لها، فهي عباره عن عقد نيتروجينية فطرية، إذ إن غازي النيتروجين والهيدروجين الموجودين بالجو يتحدان عندما تحدث الشرارة الكهربائية، وهي البرق، عندها يتكون مركب أميني ينزل للأرض، ويصبح يدور بحركة سريعة يجمع الأملاح والمعادن الموجودة بالتربة.
أنواع وأشكال وأحجام
وللكمأة أنواع وأحجام وأشكال، فهناك الكمأة السمراء، وهي الأجود. وهناك البيضاء، ويطلق عليها تسميات معروفة، ومنها: (الزبيدي والخلاسي والجبيبة والهوبيري)، وكمأة الزبيدي، وهي خفيفة على جهاز الهضم، تعد من أرخص أنواع الكمأة، وهي كبيرة الحجم، وشكلها الخارجي يميل إلى البياض، وداخلها أبيض ناصع، إسفنجي غير منتظم الشكل، وسمي بالزبيدي، لأن داخله الأبيض، يشبه الزبدة. أما الجبا (الجبيبية) فلونها أحمر قرميدي أو بني، وتتميز بنكهتها القوية، ورائحتها المميزة. والكمأة شكلها كروي لحمي رخو منتظم، وسطحها أملس أو درني، ويختلف لونه من الأبيض إلى الأسود، ويكون في أحجام متفاوتة ومختلفة، وقد يصغر بعضها حتى يكون في حجم حبَّة البندق، أو يكبر ليصل حجم حبّة البرتقالة.
وحسب الباحثين والموسوعات العالمية فإن الكمأة هو اسم لعائلة من الفطريات تسمى الترفزية (باللاتينية: Terfeziaceae)، وهو فطر بري موسمي، ينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار، بعمق من 5 إلى 15 سنتيمتر تحت الأرض، ويستخدم طعاماً، ويتراوح وزن الكمأة عادة من 30 إلى 300 جرام، ويعتبر من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية. وينمو على شكل درنة البطاطا في الصحارى.
صعوبة العثور على الكمأة
إن طريقة جني الكمأة صعبة، وتحتاج لفترة طويلة، ولذلك فإن سكان البوادي والمناطق المجاورة لها يذهبون مجموعات أو أفراداً ليبحثوا عن الكمأة، وقد يبقون يوماً كاملاً دون أن يحصلوا على هدفهم، حيث يبحثون في التشققات الظاهرة على سطح الأرض، ويقومون بالحفر السطحي ضمن هذه التشققات، وإذا ظفروا بثمرة من الكمأة يستمرون في البحث بنفس المنطقة، حيث تُعتبر دليلاً على توافرها فيها، والمحظوظ من يتمكن من جمع عدة ثمرات، فهي غلّة وفيرة؟ وقد أصبح لدى سكان البادية خبرة بالاستدلال عليها.
كذلك يقوم البعض من هواة جمع الكمأة والاتجار بها برحلات استكشافية للبحث عن الكمأة، منذ بدء موسم ظهورها في فصل الربيع، فهم يخيّمون في البادية لعدة أيام للحصول عليها، وهي رحلة جميلة ومفيدة بنفس الوقت (وتشبه رحلات الصيد والبحث عن الطيور النادرة في البوادي العربية). وهناك من يقوم بالتوجه إلى دول وبلدان عديدة بقصد جمعها لعلمه أن هذا البلد لديه موسم وفير من الكمأة في سنة ما، مثل الذهاب إلى صحارى الجزائر وغيرها، ومنهم من يجد بالفعل غايته فيحقق هدفين في هذه الرحلة الاستكشافية، وهما: الحصول على صيد ثمين ووفير من الكمأة وبيعها بالتالي في بلده بأسعار مربحة؛ والثاني السياحة والاستجمام. ويتنافس هؤلاء على جمع الكمأة النادرة، وبخاصة ذات الأحجام الكبيرة، فمنهم من يفتخر، ومن خلال الصور يعرضها في محله أو منزله برحلاته الكثيرة للبحث عن الكمأة والحصول على كمأة ذات حجم كبير جداً ومميز يزيد وزنها عن الكيلوجرامين، وهي من النوع النادر. في حين ذُكِرَ أن مزارعاً سورياً من قرية بمحافظة الرقة شمال شرق سوريا عثر وهو يفلح أرضه على كمأة كبيرة نادرة معمرة من نوع الزبيدي، وصل وزنها إلى حوالي 3.300 كيلوجرام، وقد بقيت هذه الكمأة مدة طويلة ضمن مسيل مائي، بينما أسهمت رطوبة التربة في الحفاظ عليها ومنع تجففها.
كما دخلت الكمأة في الأمثال الشعبية العربية والمأثورات الشفهية، ومن ذلك نداء الباعة عليها حسب نوعها وشكلها بقولهم: (سمرة يا بنت العرب) و(هبرة طرية الكماية)، كذلك يقولون عنها: (هي بنت البر، والبر حاويها) و(منغنغة بالدهن وعظام ما فيها).
تجارب غير ناجحة
بسبب تباين موسم الكمأة بين عام وآخر، مع تباين الهطولات المطرية والرعود القوية، وبالتالي تباين سعرها وتوافرها في الأسواق؛ فإن البعض من عشاق تناولها يلجأ إلى تجميدها بالثلاجة في منازلهم بعد سلقها (نصف سلقة)، لتناولها في غير مواسمها، كما إن إحدى شركات تصنيع المواد الغذائية العربية (الكونسروة) عملت ومن باب التجريب قبل سنوات على تعليبها وبيعها معلبة للمستهلكين، بحيث تستفيد من موسم الوفرة لتعرضها معلبة بمواسم القلة، ولكن لم تلقَ التجربة النجاح لأسباب عديدة منها تباين مواسم وجودها وفقدان نسب مهمة من قيمها الغذائية والعلاجية بسبب إضافة المواد الحافظة إليها في العبوات المعدنية.
وكون الكمأة فطر صحراوي يظهر بشكل طبيعي، ولا يمكن زراعته؛ حاول أحد الاختصاصيين بعلوم الفطر في إحدى كليات الزراعة الجامعية العربية قبل عدة سنوات استزراع الكمأة، وبعد أن جمعها من أماكن وجودها من الطبيعة، وصل هذا الاختصاصي بعد استزراعه لجريد الكمأة إلى نتيجة أنه لا يمكن الحصول على إنتاج من الكمأة إلا بعد مضي حوالي 8 - 10 سنوات من بدء التجربة، وبالطبع فلن ينتظر عشاق تناول الكمأة هذه الفترة ليحصلوا عليها منتجة زراعياً وليس طبيعياً.
مهرجان للكمأة في الرياض
في شهر مارس من كل عام تستضيف العاصمة السعودية (الرياض) مهرجاناً ومعرضاً للكمأة تنظمه هيئة فنون الطهي التابعة لوزارة الثقافة السعودية، وذلك لتعزيز قيمته التاريخية المرتبطة بالمطبخ السعودي والترويج له عالمياً، وتعزيز التنوع في المحصول السنوي وتحسين جودته، ودعم المزارعين والباعة المحليين لرفع عائدهم الاقتصادي، كما أنّ الهدف منها هو تغطية تراث فنون الطهي في السعودية، وإضافة تجارب تعليمية تثقيفية من خلال إنشاء مهرجان وتجربة شاملة، مع أنشطة في قطاع فنون الطهي لشرائح متنوعة من الجمهور المستهدف، بالإضافة إلى الزوّار المحليين والسياح. وتوفر الفعالية فرص عمل جديدة للعاملين في القطاع، وجلسات تذوق للمهتمين، ومنصة أكبر للمنتجين، والمطاعم، والطهاة المحليين.
فوائد علاجية وغذائية
الكمأة وبسبب تكوينها الطبيعي، فهي من حيث الفائدة والقيمة الغذائية والمحتوى وحتى الطعم تعادل لحم الضأن، ولها فوائد صحية وغذائية واسعة حسب الاختصاصيين والباحثين في مجال الصحة والدواء. وتأتي أهمية الكمأة من معالجتها لأمراض العين وللرمد الربيعي واضطرابات الرؤية، حيث تستخلص عصارتها المائية لمعالجة الآفات العينية المختلفة بتقطير مائها في العين، وتستخدم في معالجة الرمد الربيعي. كما أن هناك استعمالات داخلية وأخرى خارجية، ومن أهم الاستعمالات الداخلية استخدامها في علاج هشاشة الأظافر وسرعة تكسرها أو تقصفها، وتشقق الشفتين واضطراب الرؤية، كما تستعمل غذاءً جيداً، حيث تبلغ قيمتها الغذائية أكثر من 20 % من وزنها، فهي تحتوي على كمية كبيرة من البروتين، كما تحتوي على الفوسفور والبوتاسيوم والصوديوم. ولمكوناتها المعدنية هذه فإنها تعمل على تقوية مناعة جسم الإنسان، ولذلك نصح الأطباء وخبراء التغذية بتناولها لزيادة مقاومة الجسم لفيروس كورونا (كوفيد 19) المستجد، كما يُصَنَّع منها الحساء الجيد وتناوله لزيادة المناعة، وتُزيَّن بها الموائد. وتؤكد المصادر العلمية التي عملت على تحليل مكونات الكمأة أنها تحتوي على البروتين بنسبة 9 %، ومواد نشوية بنسبة 13 %، ودهن بنسبة 1 %، وتحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان، مثل: الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم. كما تحتوي على فيتامين (ب1، ب2)، وهي غنية بفيتامين (A) أيضاً، كما تحتوي على كمية من النيتروجين، بجانب الكربون والأكسجين والهيدروجين، وهذا ما يجعل تركيبها شبيهاً بتركيب اللحم، وطعم المطبوخ منها مثل طعم كلاوي الخروف والغنم، كما أنها تحتوي الأحماض الأمينية الضرورية لبناء خلايا جسم الإنسان.
وتُقدّم عادة مطهية مع شقف لحم الضأن، (كحجم رأس العصفور)، لزيادة مذاقها اللذيذ وقيمتها الغذائية، وذلك بعد سلقها، وهناك من يقدّمها مشوية مع لحم الضأن الشقف، وفي الحالتين فإنها تعتبر من ألذ المأكولات وأثمنها، حتى أطلق عليها البعض (طعام الأغنياء وحلم الفقراء). ويمكن أن تقدم وجبة مستقلة دون اللحم. ويحتوي ما يعادل 200 جرام منها على: (150) سعرة حرارية، و(17) كربوهيدرات، و(8) بروتينات، و(17) كربوهيدرات، و(7) دهون، ووحدة واحدة فقط دهون مشبعة، فيما تخلو من الكوليسترول.
وبالرغم من فوائدها الكثيرة، يُنْصَح بعدم تناول الكمأة من قبل المصابين بأمراض في الجهاز الهضمي، كما يجب عدم تناولها من قبل الأشخاص المصابين بالحساسية والأمراض الجلدية. ويُقال إنه لو لدغت حيّة أو أفعى شخصاً وفي بطنه الكمأة فإنه يموت مباشرة. كما يجب تجنب تناول الكمأة نيئة أو شرب الماء البارد عليها، لما في ذلك من ضرر على المعدة.